أخرج أحمد والطبراني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إذا خرج الحاج حاجًا بنفقة طيبة، ووضع رجله في الغرز، فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السما: لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة، فوضع رجله في الغرز، فنادى لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مأجور".
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن الحج المبرور غير المأزور، وذلك في الصورة الكلية الأولى، فقد كانت ثرية بالعناصر البليغة، والتي نبعت عن الواقع المحس، في قصة مثيرة لعواطف الإنسانية، التي يعمر بها الوجدان الحي بالإيمان الصادق، والإخلاص في العمل ابتغاء مرضاة الله عز وجل، فالحاج بهذه الصفة يجاهد في إعداد نفقات الحج وزاده وراحلته من سعي حلال، ومصدر طيب، "فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا" حديث شريف، ويمضي في طريقه الآمن، حتى يؤدي مشاعر الحج المقدسة الطاهرة، يردد التلبية وهو محرم، فتتفتح له أبواب السموات بالرحمة والرضوان، من كل من فيها وما فيها بالدعاء له، والنداء ملبين معه، مبشرين له بالقبول والسعد، قائلين له: زادك حلال وراحلتك حلال، وحجك مبرور لا مأزور، كل ذلك تدل عليه عناصر التصوير البليغ، الذي عبر عن وصفه "بالحاج" ووصف عبادته ونسكه بكونه حاجًا، ووصف نفقاته وراحلته بالطيب لا الخبيث، ثم تصوير التلبية كاملة هنا "لبيك اللهم لبيك"، وقبولها بترديدها واقترانها "بالسعد" والرضا، ووصف الزاد والراحلة بالحلال، وتقرير الجائزة الكبرى:"حجك مبرور غير مأزور"، إنها قيم خلقية وتشريعية سامية، ترغب عباد الله عز وجل في نيل هذا الشرف العظيم للحصول على أعلى جائزة من أكرم الأكرمين، قال تعالى:{وبشر المحسنين} ، {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ... } إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} .