أخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار".
التصوير البلاغي: المستمد من وحي المعاني الوضعية للأسلوب في هذا الحديث الشريف في صور أدبية متنوعة منها: كلمة "ثلاث" جاءت منكرة، تنوعت فيها مصادر الجمال، فتجد فيها الإبهام، والمراد به إثارة انتباه السامع، وتشويقه للبيان الكاشف في قوله بعد ذلك:"أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما".. إلخ، فتتمكن في النفس وتستقر في الأعماق، ليظل رصيدًا شعوريًا وزادًا روحيًا، يقاوم تقلبات الزمن وصراعات الحياة، وتجد فيها أيضًا معاني التعظيم والإكبار، أي فهي ثلاثة عظيمة الشأن، وقوية في صدق الإيمان وسعادة النفس، وتجد فيها كذلك معاني العموم والشمول، فهي ثلاث في العدد، لكن شاملة النفع، تعم جميع أنواع البر والطاعة لله عز وجل، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم، وكلمة "حلاوة الإيمان" تفيد التذوق الحسي والمعنوي، فأما الحلاوة الحسية فحقيقة واقعة في القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى؛ فيتذوق طعم الإيمان ويتنعم به، كما يتذوق اللسان حلاوة العسل ولذة الحلاوة، وكما يتلذذ القلب بالطاعات، ويستعذب المشقات، ويُؤْثر ذلك على أغراض الدنيا ومتاعها الحسي الفاني، وأما الحلاوة المعنوية تكون في الاقتناع والرضا بشريعة الله؛ فيحب الطاعة وينفر من المعصية، فلا يجد في النفس حرجًا مما قضى الله، ولا يبحث عن علاج لمشكلاته في غير ما جاء به التشريع الإلهي،