أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي"؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله، قال:"هي النخلة".
بلاغة التصوير الأدبي في ضرب المثل: جاء الحديث الشريف على سبيل ضرب المثل من الواقع الذي يعيش فيه الإنسان؛ فقد جمع في المثل بين النخلة وما يتعلق بها من الثمار والجريد والليف، والساق ودوامِ الخضرةِ طوال العام، والإيواء إلى ظلها وقاية من الحر وحلاوة الثمر، وتستريح الأذنُ إلى حفيف السعفِ والجريد وغيرها مما هو مألوفٌ، وبين المسلم وما يصدر عنه من الطاعات وعمل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلاهما يُشبِه الآخر في دوام الانتفاع وعمومه.
لكن الشأن في ضرب الأمثال أن يكون المشبهُ به هو المحس في الواقع كالشجرة هنا، ويكون المشبهُ هو المسلم، حتى تتجسم المعاني المجردةُ في صورة محسوسةٍ تدرك بجميع الحواس، وهي شجرةُ النخيل، فهي هنا تقديرًا في موقع المشبه هنا؛ لأنها أقربُ إلى الفهم من المعاني المجردة في المسلم وهو المشبه.
لكن روعة البلاغة في الحديث الشريف أنْ جاء التشبيهُ التمثيلي مقلوبًا، فكان المشبهُ هو النخلةُ المحسوسةُ، والمشبهُ به هو المسلمُ، للدلالة على أن المسلم أبلغُ في صفاته المعنوية والخلقية من النخلة المحسوسة للتصريح بأن المسلم أعزُّ عند الله وعند الناس، وأن النخلة مع أنها شبيهةٌ به في جميع منافعها إلا أن منافع المسلم أكثر منها؛ لاستكثاره من الخير والعمل الصالح والتمسك بالفضائل، والتحلي بمكارم الأخلاق والتخلي عن القبيح والصفات الذميمة، علاوة على تميزه عن الخلائق بالعقل والتكليف.
بلاغة التصوير الأدبي في العرض القصصي بأسلوب الحوار: حينما عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصحابة رضي الله عنهم سؤالًا عن شجرةٍ لا يسقط