قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"من يأخذ عني هذه الكلمات؛ فيعملُ بهن أو يُعْلِمُ من يعمل بهن"؟ فقال أبو هريرة قلت: أنا يا رسول الله فأخذ بيده فعدَّ خمسًا فقال:
"اتّقِ المحارم تكنْ أعبدَ الناس".
وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
وأحسنْ إلى جارك تكنْ مؤمنًا.
وأحبَّ للناس ما تحبُّ لنفسك تكنْ مسلمًا.
ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب".
التصوير الأدبي في بلاغة التوازن بين الشرط والجزاء على سبيل اللزوم والجزم كما تستلزم المقدمةُ النتيجة على سبيل الإلزام والتحقيق، وخاصة إذا صدرت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الصادق الأمين:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} وذلك في استخدام أسلوب الشرط والجزاء في الصور الأدبية الخمسة البليغة، التي وردت في الحديث الشريف على سبيل الجزم والتحقيق، وأعانت على ذلك روافد بلاغية أخرى وهي ورود فعل الشرط بصيغة الأمر مثل: اتق وارض.. إلخ ومعناها أيضًا الجزم والتحقيق، ودلالة جواب الشرط على الأمر وإن جاء على صيغة الفعل المضارع، مثل: تكن أعبد الناس، وتكن أغنى الناس" وهكذا، وكذلك انتقاء أفعال غزيرة القيم السامية، لا يقوى عليها غيرها مما يقوم مقامها، مثل كلمة "اتق" فهي تتضمن قيمًا سامية شريفة كثيرة، لا تدخل تحت الحصر ولا تغني عنها في ذلك كلمة: ابتعد أو تجنب، وكذلك اختيار كلمة "وارْضَ" فالرضا هو الغاية السامية من التقوى، وكذلك كلمة "أحْسِنْ" والإحسان قمة الإيمان قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} ، وكذلك كلمة "أَحِبَّ" والنهي عن كثرة الضحك؛ لأن الإسراف فيه يميت القلب، فالإسلام يحث على التفاؤل والترويح عن النفس بالابتسامة والضحك ساعة بعد ساعة لكي لا تمل النفس، فإذا ملّت كلت وسئمت وتشاءمت، ولا طيرة ولا تشاؤم في الإسلام.
التصوير الأدبي في بلاغة الإيقاع القوي، والموسيقى المتدفقة الهادرة، مما يتلاءم مع القيم السامية التي تحث عليها شريعة الإسلام في هذا الحديث الشريف؛ فتأمل الإيقاع الصوتي في الحروف والكلمات، فهو إيقاع قوي