أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي عن أبي عبد الله النعمان بن بشير، رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" ١.
التصوير الأدبي والبلاغي للحلال والحرام والشبهات بالتعبير البليغ عن التمييز بين الثلاثة، ترغيبًا في الحلال، وتحذيرًا وترهيبًا من الحرام والشبهات، وذلك في أروع صورة أدبية، بلغت القمة في البلاغة البشرية، حتى صارت من جوامع الكلم، التي اختص بها خاتم النبيين، فأعمال المسلم وأقواله لا تتجاوز ثلاثة محاور: حلال واضح يؤدى، وحرام واضح منهي عنه، ومشتبه فيه بين بين، أي بين الحلال والحرام، لا يدري الإنسان هل هو حلال؟ فيؤدى أو حرام فيتقى؛ فالأفضل فيه، أن يتقى حذرًا من أن
١ من معاني الكلمات في الحديث الشريف: "الشبهات والمشتبهات" تشابه بعض الأشياء لبعض، اتقى الشيء: تحفظ منه وحذر منه حتى يتجنب عذابه، استبرأ: حصل على البراءة، العرض: موضع الذم من الإنسان، الحمى: ما يحميه الإنسان ويدافع عنه، يرتع: ترعى الماشية كيف شاءت في خصب وسعة، محارم: الحرمة التي لا يحل هتكها، مضغة: القطعة من اللحمة بمقدار ما يمضغ وهي القلب وهو ما به الحياة في الجسم.