للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يغريه من الوقوع في الحرام، فأخرجه في صورة أدبية بليغة استمد عناصرها من الواقع، وروافدها من البيئة التي يخالطها الإنسان ويعرفها الناس، فالراعي الذي يرعى غنمه في مرعى قريب من حقل خصيب، يحميه صاحبه ويحافظ عليه، فلا يأمن منه على غنمه، مهما كان حذرًا وشديد الحراسة، أن تتسلل للحقل المحمي، فترعى منه، وتعرضه للمؤاخذة والعقاب، لذلك كان من الأفضل له، أن يختار له مرعى بعيدًا عن هذا الحقل والحمى، وكذلك المسلم، ينبغي أن يبتعد عن الشبهات في القول أو الفعل، حتى لا ينتهي الأمر به إلى التردي في الحرام، فيهلك، واتخذ الحديث الشريف هذه الصورة البليغة:

أولًا: التأكيد بإنَّ المؤكدة في أمر الحلال وأمر الحرام فقال: "إن الحلال بين والحرام بين"، وتأكيد ثان في الإخبار عنهما باختيار لفظ "بين" من البيان وهو البلاغة، وتأكيد ثالث بالشدة على الياء في "بيّن" ليزداد المعنى ثراء، وهو أبلغ من التعبير بالوضوح، إذا قيل الحلال واضح، فقد آثر القرآن البيان في قوله: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْأِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} ، ثم تأكيد رابع في التكرار لكلمة بيّن، ليقوى الترغيب ويزداد الإقبال.

ثانيًا: تصوير الابتعاد عن الشبهات بالتقوى، وهي الغاية من الإيمان وأعلى مراتبه، وبالبراءة في "استبرأ" وهي الطهر والعفاف، والنجاة والفوز العظيم، والشرف العزيز الغالي، والأصالة والعراقة؛ لأن العرب تكني عن براءة العرض بالشرف وعراقة النسب الأصيل.

ثالثًا: تصوير المتقي للشبهات بالراعي في تشبيه تمثيلي بليغ، فهي وإن استعملت في رعي الماشية والأغنام؛ إلا أنها تحمل معنى المسئولية والحاكم والقائم على أمور الناس والأحياء؛ مصداقًا للحديث الشريف

<<  <   >  >>