أخرج البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"الصيام جنة، فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشرة أمثالها".
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير لقوله:"الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمة فليقل إني صائم مرتين"؛ فقد تعددت مصادر الجمال في هذا التصوير الفني منها: التشبيه البليغ في جعل الصيام كالدرع الذي يقي من سهام العدو ويحفظ من القتل، لأن الشأن في الصيام بحدوده المشروعة يمنع صاحبه من الفحشاء والمنكر ويغرس فيه القيم الخلقية السامية في الدنيا، ليكون ذلك وقاية له من النار في الآخرة، وفي رواية أخرى للترمذي "جنة من النار"، وفي بلاغة التعبير بالصيام لا الصوم وبصيغة المفاعلة ليدل على صراع النفس مع هواها وشيطانها وشهواتها؛ ليخرج منتصرًا على كل ذلك، فائزًا بالأجر العظيم المضاعف، وكذلك صيغة المفاعلة والمشاكرة في بلاغة قوله:"قاتله أو شاتمه"؛ لأنها تقتضي وقوع الفعل من الجانبين، فيحدث مدافعة من الصائم ليكف نفسه عن الوقوع في الشتم والسباب، وهو يدل على روعة التصوير الأدبي في ألفاظ الصيام والمشاتمة والمقاتلة، لدلالتها على المصابرة والمجاهدة والصراع، حتى يسمو إلى درجة الصبر كما في الحديث:"وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة" قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ، وكذلك بلاغة التعبير في قوله:"إني صائم مرتين" باللسان ليزجر النفس عن انتهاك المحرمات في الصيام، فيؤكد منع المشاتمة والمقاتلة، كما في حديث آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه:"ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد وجهل عليك فقل إني صائم إني صائم".
بلاغة التصوير الأدبي في قوله: "والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم