أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته" يعود إلى كنايات تتعدد فيها المعاني، ليقف المتلقي عليها بعد لأي؛ لتقع من النفس موقع الماء البارد العذب من العطشان؛ ليزداد تمتعًا بالنعمة وامتنانًا بالشكر عليها، فالصورة البلاغية الأولى في قوله: "والذي نفسي بيده" كناية عن قدرة الله تعالى وعظمته وإحاطته بكل الكائنات، وفيها دلالة على عظيم أجر الصائم، والصورة البلاغية الثانية في قوله: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، كناية عن رضا الله تعالى عن الصائم، لأنه يعرف يوم القيامة بطيب رائحته كالمسك، بعد أن كانت في الدنيا متغيرة لخلو المعدة من الطعام من أثر الصيام، وفي رواية مسلم والنسائي: "أطيب عند الله يوم القيامة"، والصورة الفنية الثالثة في قوله: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي"، كناية عن الإخلاص في صيامه والتزام حدوده المشروعة بتنفيذ تعاليمه وكمالياته، واجتناب محرماته ومنهياته.
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير لقوله: "الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشرة أمثالها"، يعتمد على صورة فنية كناية عن أسمى أنواع الأمانات في: "الصيام لي"، لأن الصيام سر بين العبد وربه، فهو يعلم السر وأخفى، فلا يدخل فيه أدنى مظاهر الرياء من التمسك بالأمانة حتى لا يكتسب ثقة الناس، فيحملون عليه أمانات أخرى، والصورة الثانية في قوله: "وأنا أجزي به"، فهي كناية عن عظيم ذلك العطاء وضخامة الجزاء فالله تعالى هو المجازي وحده، وليس بعد ذلك من جزاء عظيم، والصورة الثالثة في قوله: "والحسنة بعشر أمثالها" جاءت في تعبير بلاغي لا يقتصر على العشرة فحسب، بل المراد مضاعفة ذلك إلى سبعين أو سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء، لذلك جاءت رواية الموطأ: "إلى سبعمائة ضعف".