التصوير البلاغي المستمد من المعاني الموضوعة في اللغة لألفاظ الحديث، وأساليبه تعددت مصادرها الجمالية والبلاغية، فالصورة البليغة الأولى انتقلت من الإجمال إلى التفصيل، لتوضيح هذه القيم الخلقية السامية للصيام، ولتوكيدها أكثر لأهميتها، وحث المسلم على اتباعها والعمل بها، وذلك حينما أجمل في جعل الصيام جنة، أي وقاية من المعاصي وسترة من الأوزار والسيئات، لأنه يكسر حدة الشهوة ويضعفها، ويقوى هذا المعنى برواية أحمد والدارمي:"ما لم يخرقها بالغيبة"، أو وقاية من النار، لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات، ويتأكد هذا المعنى برواية الترمذي "جنة من النار"، وهذا هو الإجمال، ثم تتأكد هذه القيم بالتصريح في أسلوب يجمع بين التفصيل والإيضاح، حين قال:"فلا يرفث ولا يجهل"، أي لا يفحش في الكلام، ولا يفعل فعل الجهال من الصياح والسخرية، والسفه والجهل والجدل، ثم يزداد تفصيلا في قوله:"وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين"، بمعنى إن امرؤ لاعنه وسابه أو ذمه وأساء إليه، فليقل بلسانه إني صائم، أي لا يمنعني صومي من الرد عليك، هذا إذا كان الصوم فريضة، ويقول في نفسه إذا كان الصوم تطوعًا دفعًا للرياء، حتى لا تنتهك حرمة الصيام لسمو منزلته عند الله، لقوله تعالى في الحديث القدسي:"الصيام لي وأنا أجزي به"، والصورة البلاغية الثانية جاءت عن طريق الإطناب بالقسم في قوله:"والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم.. إلخ " لأن الشأن في القسم الإيجاز بقوله: "والله وبالله وتالله"، للدلالة على سمو الصيام وطيب رائحة الفم الكريهة عند الله تعالى، وإن كانت كريهة عند الناس، لأنه ترك طعامه وشرابه وشهوته ابتغاء مرضاة ربه، والصورة البلاغية الثالثة وردت بصيغة المفاعلة "قاتله أو شاتمه"، للدلالة على ما يحدث من الصراع الدائر بين