أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال: فانخسنتُ منه فذهبت فاغتسلت، ثم جئت فقال:"أين كنت يا أبا هريرة"؟ قال: كنت جنبًا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال:"سبحان الله إن المؤمن لا ينجس".
التصوير الأدبي في بلاغة التعبير عن توقير الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهابة له وحياء منه، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال: فانخسنت منه فذهبت فاغتسلت ثم جئت" فقد دل هذا التصوير الأدبي البليغ على قيم أخلاقية وتشريعية سامية، منها حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته واهتمامه بهم، حتى وهو في الطريق، مما أثار انتباه أبي هريرة؛ فاختفى عنه حياء منه أن يلقاه وهو جنب، ومنها تلك الصورة الفنية التي تدل على المسارعة إلى الطهارة من الجنابة؛ من خلال الفاءات الثلاثة التي وضعت للترتيب والتعقيب السريع في قوله: "فانخسنت منه فذهبت فاغتسلت"، ثم القيم الخلقية والصحية في التريث بعد الاغتسال، حتى لا يتعرض المتطهر للأذى، من خلال التصوير الفني بـ "ثم جئت"، التي وضعت للتأني والتراخي، ثم تصوير شيمة الحياء عند الصحابة لحرصهم على تلقي الأحكام، وهم في أجمل وأكمل حال مهابة له وتوقيرًا، وحرصهم أيضًا على معرفة أحكام الشريعة فيما يقع لهم من أحوال، مما جعل أبا هريرة يعود بسرعة ليتلقى الحكم الشرعي، بعد ما آثار اختفاؤه انتباه النبي -صلى الله عليه وسلم.
التصوير الفني في بلاغة التعبير عن السؤال لمعرفة دوافع اختفاء أبي هريرة في قوله: "أين كنت يا أبا هريرة"؟ فقال: "كنت جنبًا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة" فكانت الصورة الأدبية الأولى تعبر عن إنكار النبي -صلى الله عليه وسلم- لاختفاء أبي هريرة، وليس السؤال عن صنيعه في قوله: "أين كنت"؟ وفيها أيضًا دلالة على أدب الرسول؛ لأنه لم يسأله عن سبب الاختفاء وإنما سأله عن مكانه، وتدل الصورة الفنية الثانية عن توقير النبي