أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه".
بلاغة التصوير الأدبي في قوله:"المسلم من سلم المسلمون" عبر الحديث الشريف بالمسلم وهو دون المؤمن في الظاهر، لأن بلاغة المقام ومقتضى الحال يُؤْثِر التعبير بالمسلم؛ لأنه جاء مقيدًا بما بعده وهو: من سلم المسلمون، فالذي لا يتعرض لأذى، بل للمحبة وتمني الخير، يكون مسلمًا كاملًا، أي مؤمنًا محسنًا في إيمانه، وهذه قمة البلاغة، لأن التعبير بالمؤمن لا يحتاج إلى قوله:"من سلم المسلمون" لعدة أمور:
أولًا: حتى لا يوصف الحديث بالحشو والزيادة ورسول الله أبلغ العرب، ثانيًا: لأن بلاغة الحديث الشريف تقتضي التصريح بهذا القيد؛ لأنه أبلغ من الإضمار لما فيه من التصريح بالسلامة، ثالثًا: ليدخل في المسلمين كل الناس: المسلم والمؤمن والمحسن من باب أولى، وكذلك يدخل فيه غير المسلم؛ لأن من استأمنه جماعة المسلمين على أرضهم، أخذ حكم المسلمين من الأمن والسلامة؛ لذلك كان حرف "من" في موقعه من الحديث، قد بلغ الغاية في بلاغة التصوير الأدبي عن هؤلاء جميعًا، لما يفيده من العموم والشمول، فهو يشمل المؤمن والمسلم وغير المسلم في ديار المسلمين، وتلك هي بلاغة المصطفى -صلى الله عليه وسلم، التي تصور سماحة الإسلام وعدالته، ولا يخفى علينا أن التعبير بالمسلم يشمل الذكر والأنثى والصغير والكبير.
بلاغة التصوير الأدبي في قوله:"من لسانه ويده": أجمع علماء البلاغة على أن هذا الحديث من جوامع الكلم، التي اختص بها من بين الأنبياء جميعًا، لأن اقتصاره على اللسان واليد؛ في التصوير الأدبي لكل ما يقع من الإنسان؛ قولًا أو فعلًا بلغ القمة في بلاغة الإيجاز، فاللسان هو الذي يعبر عما في النفس، وهو أبلغ من التصوير بالقول، الذي لا يشمل خروج