اللسان من الفم استهزاء؛ فليس قولًا، ولأن الإنسان يحاسب على ما يصدر من اللسان، ولا يعاقب على نية الشر والأذى قبل ترجمتها باللسان، لذلك كان اللسانُ ملاك الأمور كلِّها كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يعلم معاذ -رضي الله عنه:"هل أدلك على ملاك الأمر كله"، قال معاذ: بلى يا رسول الله قال: "أمسك عليك هذا" وأشار إلى لسانه فقال معاذ: وهل نحن يا رسول الله مؤاخذون بما نتكلم، فقال:"وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم".
وقدّم اللسان على اليد، لأن الأذى باللسان، يشمل من في الماضي والموجود في الحاضر، والحادث في المستقبل بعد ذلك. بخلاف اليد فالإيذاء بها خاص بالموجودين، اللهم إلا إذا كان عن طريق الكتابة فقط.
وبلاغة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في اقتصاره الإيذاء على اليد فقط، دون بقية الجوراح التي يحصل الأذى بها، لأن معظم الأفعال إنما يتحصل باليد في الغالب، إذ بها يكون البطش والقطع والوصل والأخذ والمنع، لذلك قيل لكل عمل، وإن كان بغير اليد:"هذا مما عملته أو جنته أيديهم" وبلاغة التعبير باليد، يُدْخِلُ اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير الحق؛ لذلك كانت اليد تطلق على كل فعل ينسب إليها، قال الله تعالى:{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} .
بلاغة التصوير الأدبي في قوله:"والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" وفي هذه الفقرة تعددت ألوان البلاغة، فأصبح الحديث الشريف كالروضة، ضمت ألوانًا وأنواعًا مختلفة، تناغمت فيها الأنواع وتناسقت بينهما الأشكال والألوان، ويظهر هذا التناسقُ بين الأنواع المختلفة، والتآلفُ بين الألوان المتنوعة، فيما أطلق عليه علماء البلاغة الجناس والطباق والمقابلة،