للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما الجناس فقد كان في اتحاد الألفاظ مع اختلاف المعاني، فكان بين لفظي المسلم وسَلِم، ولفظي: المهاجر وهجر، التي أشاعت ألوانًا من التناسق بين أنغام الحروف ونسقها الإيقاعي، مما يثير الانتباه، ويحرك العواطف والمشاعر، وأما الطباق فتجده بين المسلم والمهاجر، وبين سلم وهجر ونهى، وبين لسانه ويده، والتضادُّ بين معاني كل لفظين، يعطي تنويعًا وتلوينًا وتعميقًا للمعاني، حتى تتمكن من النفس أيما تمكن، وأما التقابل فكان بين هذين الفقرتين، بين: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" و"المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" فالتقابل هنا بين الإيجاب والسلب وبين الأمر والنهي، يدل على أن الحديث الشريف جمع بين الأوامر والنواهي جميعها؛ لذلك كان من جوامع الكلم.

انظر إلى بلاغة التصوير الفني بالمهاجر، وهي تدل على المشاركة على العكس من كلمة الهاجر وهو المراد في الأصل، للدلالة على أن الإنسان دائمًا في صراع بين الخير والشر، وبين النفس الأمارة بالسوء والنفس الطيبة، وكذلك بلاغة التصوير البلاغي باسم الموصول في "من هجر"، لأن الإنسانية تقتضي عموم ذلك بين الإنسان مسلمًا كان أو غير مسلم، وكذلك ما تفيده بلاغة العموم في قوله: " ما نهى الله عنه"؛ لأنه لا فرق بين المنهي عنه حقيرًا كان أو عظيمًا لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} .

القيم التشريعية والخلقية في الحديث الشريف:

١- أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يطمئن من لم يهاجر من المسلمين بعد انقطاع الهجرة؛ بأن هجرة المعاصي تعد هجرة؛ فالمهاجر من هجر المعاصي.

٢- كمال الإسلام لا يتحقق إلا بالأصول والفروع، وكل ما به كمال الإيمان.

٣- الإيمان يزيد بالطاعات وعمل الخيرات، وينقص بالتقصير فيها.

٤- الإسلام دين السلام والسماحة؛ فهو يحث على كف الأذى عن الناس جميعًا ونشر المحبة بينهم.

٥- جمع الحديث الشريف بين المحافظة على حقوق الله تعالى وحقوق عباده.

٦- بالإضافة إلى ما ذكر في التصوير النبوي من الحديث الشريف.

<<  <   >  >>