أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"قام أعرابي في المسجد فبال، فتناوله الناس فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم: "دعوه وهريقوا على بوله سجْلًا من ماء أو ذَنوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين".
بلاغة التصوير الأدبي في قوله -صلى الله عليه وسلم: "قام أعرابي في المسجد فبال، فتناوله الناس" ترجع إلى أسرار جمالية متنوعة: فالتعبير بقوله: "قام أعرابي" فيه دلالة على أن الأعرابي كان قد أدى الصلاة في المسجد قبل البول، فلما ألحَت عليه الحاجة، اضطر أن يبول في المسجد، والضرورات تبيح المحظورات، فلم يقصد ذلك ابتداء، ويؤكد ذلك ما جاء في رواية أخرى: "أن أعرابيًا دخل المسجد ورأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا؛ فقال النبي:"لقد تحجرت واسعًا" فلم يلبث أن بال في ناحية المسجد ... وفيه دلالة أيضًا على أن هناك فرقًا بين "الأعرابي" الذي يسكن في البادية فطبيعته الجفوة، وبين العربي الذي تحضر بأعراف المدنية، لذلك فلا غرابة من صنيع هذا الأعرابي، الذي لم يهيئ نفسه للصلاة والمكث في المسجد.