للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتقي حدوده فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والذي لا يعمل بذلك، شبِّها بفريقين اقتسموا سفينة تمخر عباب البحر، وقد استقرت فرقة في أعلاها، والأخرى في أسفلها، فإن عطش من هم في أسفلها؛ فأرادوا أن يخرقوا خرقًا في نصيبهم، حتى لا يؤذوا من في أعلاها، فإن تركوهم والخرق، غرقوا جميعًا، وإن منعوهم من الخرق، وتعاونوا معهم، وأفسحوا لهم مكانًا في سماحة، نجوا جميعًا، وأنت ترى أن العناصر الواقعية هي السفية وركابها، وما تحتوي من آلات ومعدات، والبحر وما يضم من كائنات وعوالم وما فيه، من تيارات وأمواج وعواصف ومياه، وما حدث من صراع ومساهمة واقتراع، وغير ذلك من مظاهر الطبيعة والحياة.

التصوير الأدبي حيويًا ورائعًا في بلاغة التعبير عن الحياة والمجتمع فيها بالسفية، التي تمخر عباب الماء، في بحر متلاطم الأمواج والعواصف، فهي ليست قصرًا شامخًا مستقرًا على أرض ثابتة في البر، وإنما هي ألواح من الخشب، تطفو فوق سطح الماء في بحر عميق، ينتابه بين حين وآخر ريح عاصفة وأمواج هائجة متلاطمة، تتصدع لها أركان السفينة، وتتحطم جوانبها المختلفة، فيغرق من فيها جميعًا، تلك هي الحياة الغرورة كالمسرح تختفي وراء أستاره الفتن والأحداث، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} .

وجاءت أيضًا صورة المجتمع الإنساني بالسفينة، التي تجمع بين البَرِّ والفاجر، والصالح والطالح، وأهل الخير والحق والجمال، مع أهل الشر والباطل والسوء، فالإنسانية في صراع دائم بين الخير والشر على سبيل الفتنة والاختبار، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} .

<<  <   >  >>