للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الصور البليغة أيضًا التعبير "بما الموصولة" في قوله: "ما نوى" لإفادة العموم والشمول لكل ما ينويه الإنسان من الخير أو الشر، قولًا أو فعلًا أو عملًا أو تقريرًا وغير ذلك، فالإنسان محاسب على كل ما يصدر عنه صغيرًا كان أو كبيرًا، مصداقًا لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} وقوله تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} .

ومن الصور الأدبية البليغة أيضًا، ما يفيد الإيضاح بعد الإبهام، ليزداد المراد من القيم السامية في الحديث الشريف تأكيدًا، وحثًّا على اتباعه وحرصًا على تنفيذه، وجاء الإبهام في قوله: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ثم وضح الحديث الشريف هذا الإبهام والإجمال بالتفصيل في قوله: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" والمراد بالهجرة ليس الانتقال من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة فحسب، بل تشمل الهجرة من المعاصي والفواحش والمفاسد إلى الطاعات والطيبات والصالحات، وفي ذلك يرتقي التصوير البلاغي فيجعل من يهجر المعاصي إلى الطاعات، مثل من هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في الثواب والأجر سواء بسواء، لأن هذا هو الجهاد الأكبر الذي أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد أن رجع من غزوة في سبيل الله، فقال: "هو جهاد النفس بالهجرة من المعاصي إلى الطاعات".

ومن الصور الأدبية البليغة تكرار لفظ الجلالة ولفظ الرسول وإظهارهما، وكان يغني عنها الضمير الذي يعود على ما سبق، لتعظيم الهجرة وتعظيم المهاجر إليه وهو الله ورسوله في قوله: "فهجرته إلى الله

<<  <   >  >>