للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التصوير البلاغي في قوله: "من صام رمضان إيمانًا"، فعبر الحديث الشريف عن صيام رمضان وقيده بالإيمان، ليشكل صورة أدبية بليغة في كلمة واحدة، تجمع بين حروف منتقاة تمتاز في إيقاعها الموسيقي والصوتي بالسلاسة والعذوبة، والرقة والسيولة في حرفي اللين، وهما الألف والياء؛ فلم يجتمع فيها من حروف الشدة والجهارة والغلظة وغيرها مما يوحي بشدة الإيقاع وعنف موسيقى الحروف، وللدلالة على أن الصيام لا يقبل من الكافر مطلقًا، ولا يثاب عليه الفاسق، وإن سقط عنه الفرض، إن الأساس في قبول الأعمال هو الإيمان بالله ورسوله والطاعة لهما: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ، ولم يخاطب الله تعالى الناس ولا الكفار ولا الفسقة وإنما خاطب المؤمنين المتقين بالصيام فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

بلاغة التصوير الأدبي في قوله -صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان احتسابًا" ترجع إلى اختيار هذه الصيغة في حروفها ومبانيها الصوتية، وفي معاني الكلمة الوضعية في اللغة، لتنبني منها صورة أدبية رائعة على أكمل وجه، لتحقق الغاية منها في أجمل صورة، فتتلقاها الأذن؛ وتستقبلها الأحاسيس في إيقاع رتيب ونسق بديع، يجمع بين التآلف الموسيقي وبين أصوات الحروف الهامة الحاسبة التقديرية، فتستوعبها النفس وعيا وعمقًا، كما أن معاني الكلمة تدل على الحساب والتقدير والدقة والإخلاص، ولا تأتي فيها معاني العبثية ولا الأنانية ولا الذاتية ولا الرياء والمظهر، وتدل على أن الصيام يكون لحساب المرء عند الله ابتغاء مرضاته، لذلك كله كانت النتيجة في جواب الشرط لازمة وحتمية؛ ليستحق الصائم على هذين الأساسين -وهما الإيمان والاحتساب لله عز وجل- الغفران والثواب المضاعف فيدخله جنات تجري من تحتها الأنهار، من باب يختص به الصائمون وحدهم، وهو باب الريان، فإذا دخلوا أغلق دونهم.

<<  <   >  >>