ورحب صدر لو انّ الأرض واسعة ... كوسعه لم يضق عن أهله بلد
وذلك أنّ البلدان التى تضيق بأهلها لم تضق بأهلها لضيق الأرض، ومن اختطّ البلدان لم يختطّها على قدر ضيق الأرض وسعتها؛ وإنما اختطّت على حسب الاتّفاق؛ ولعل المسكون منها لا يكون جزءا من ألف جزء؛ فلأى معنى تصييره ضيق البلدان الضيقة من أجل ضيق الأرض. والصواب أن يقول: ورحب صدر لو أن الأرض واسعة كوسعه لم يسعها الفلك؛ أو لضاقت عنها السماء؛ أو يقول: لو أن سعة كلّ بلد كسعة صدره لم يضق عن أهله بلد.
والجيّد فى هذا المعنى قول البحترى «٢» :
مفازة صدر لو تطرّق لم يكن ... ليسلكها فردا سليك المقانب «٣»
أى لم يكن ليسلكها إلّا بدليل لسعتها؛ على أن قوله «مفازة صدر» استعارة بعيدة.
ومن الخطأ قول أبى تمام «٤» :
سأحمد نصرا «٥» ما حييت وإنّنى ... لأعلم أن قد جلّ نصر عن الحمد
وقد رفع الممدوح عن الحمد الذى رضيه الله جل وعزّ لنفسه، وندب عباده لذكره ونسبه إليه، وافتتح به كتابه. وقد قال الأول: الزيادة فى الحدّ نقصان، ولم نعرف أحدا رفع أحدا عن الحمد، ولا من استقلّ الحمد للمدوح.