والنظراء والغلمان والوكلاء، فتفرق بين من تكتب إليه بصفة الحال وذكر السلامة، وبين من تكتب إليه بتركها إجلالا وإعظاما، وبين من تكتب إليه: أنا أفعل كذا، وبين من تكتب إليه: نحن نفعل كذا؛ «فأنا» من كلام الإخوان والأشباه، «ونحن» من كلام الملوك. وتكتب فى أول الكتاب «سلام عليك» ، وفى آخره «والسلام عليك» ؛ لأنّ الشىء إذا ابتدأت بذكره كان نكرة، فإذا أعدته صار معرفة؛ كما تقول: مرّ بنا رجل فإذا رجع قلت: رجع الرّجل.
وكان الناس فيما مضى يستعملون فى أوّل فصول الرسائل «أما بعد» . وقد تركها اليوم جماعة من الكتّاب، فلا يكادون يستعملونها فى شىء من كتبهم، وأظنّهم المّوا بقول ابن القرية وسأله الحجاج عما ينكره من خطابته، فقال: إنك تكثّر الردّ، وتشير باليد، وتستعين بأمّا بعد. فتحاموه لهذه الجهة مع أنهم رووا فى التفسير أنّ قول الله تعالى: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ
هو قوله أمّا بعد؛ فإن استعملته اتباعا للأسلاف، ورغبة فيما جاء فيه من التأويل فهو حسن؛ وإن تركته توخّيا لمطابقة أهل عصرك، وكراهة للخروج عمّا أصّلوه لم يكن ضائرا.
وينبغى أن يكون الدعاء على حسب ما توجبه الحال بينك وبين من تكتب إليه وعلى القدر المكتوب فيه.
وقد كتب بعضهم إلى حبّة له: عصمنا الله وإيّاك مما يكره. فكتبت إليه:
يا غليظ الطّبع؛ لو استجيبت لك دعوتك لم نلتق أبدا.
واعلم أنّ الذى يلزمك فى تأليف الرسائل والخطب هو أن تجعلها مزدوجة فقط، ولا يلزمك فيها السّجع؛ فإن جعلتها مسجوعة كان أحسن، ما لم يكن فى سجعك استكراه وتنافر وتعقيد، وكثر ما يقع ذلك فى السّجع، وقلّ ما يسلم- إذا طال- من استكراه وتنافر.