ألّا يكثر من شكاية الحال ورقّتها، واستيلاء الخصاصة «١» عليه فيها؛ فإنّ ذلك يجمع إلى الإبرام والإضجار شكاية الرئيس لسوء حاله وقلّة ظهور نعمته عليه.
وهذا عند الرؤساء مكروه جدّا، بل يجب أن يجعل الشكاية ممزوجة بالشكر والاعتراف بشمول النعمة وتوفير العائدة «٢» .
وسبيل ما يكتب به فى الاعتذار من شىء أن يتجنّب فيه الإطناب والإسهاب إلى إيراد النكت التى يتوهم أنها مقنعة فى إزالة الموجدة، ولا يمعن فى تبرئة ساحته فى الإساءة والتقصير؛ فإن ذلك مما يكرهه الرؤساء؛ والذى جرت به عادتهم الاعتراف من خدمهم وخولهم بالتقصير والتفريط فى أداء حقوقهم وتأدية فروضهم؛ ليكون لهم فيما يعقبون ذلك من العفر والتجاوز موضع منّة مستأنفة تستدعى شكرا، وعارفة مستجدّة تقتضى نشرا؛ فأما إذا بالغ المتنصّل فى براءة ساحته من كلّ ما قذف به فلا موضع للإحسان إليه فى إعفائه عن ترك السخط، بل ذلك أمر واجب له؛ وفى منع الرئيس حصّته منه ظلم وإساءة.
وينبغى أن يكثر الألفاظ عنده، فإن احتاج إلى إعادة المعانى أعاد ما يعيده منها بغير اللّفظ الذى ابتدأه به؛ مثل ما قال معاوية رضى الله عنه: من لم يكن من بنى عبد المطلب جوادا فهو دخيل؛ ومن لم يكن من بنى الزبير شجاعا فهو لزيق؛ ومن لم يكن من ولد المغيرة تيّاها فهو سنيد «٣» . فقال:«دخيل» ثم قال: «لزيق» ثم قال: «سنيد» . والمعنى واحد والكلام على ما تراه أحسن، ولو قال لزيق، ثم أعاده لسمج.
هذا، أدام الله عزك، بعد أن تفرّق بين من تكتب إليه؛ «فإن رأيت، وبين من تكتب إليه» فرأيك «٤» . وأن تعرف مقدار المكتوب إليه من الرؤساء