فأمّا ما يكتبه العمال إلى الأمراء ومن فوقهم، فإنّ سبيل ما كان واقعا منها فى إنهاء الأخبار، وتقرير صور ما يلونه من الأعمال، ويجرى على أيديهم من صنوف الأموال أن يمدّ القول فيه حتى يبلغ غاية الشفاء والإقناع، وتمام الشرح والاستقصاء؛ إذ ليس للإيجاز والاقتصار عليه موضع، ويكون ذلك بالألفاظ السهلة القريبة المأخذ، السريعة إلى الفهم، دون ما يقع فيه استكراه وتعقيد، وربما تعرض الحاجة فى إنهاء الخبر إلى استعمال الكناية والتّورية عن الشىء دون الإفصاح؛ لما فى التصريح من هتك السّتر؛ فى حكايته «١» عن عدوّ أطلق لسانه به، وفيه اطّراح مهابة الرئيس؛ فيجب إجلاله عنه؛ وفى الصدق ما يسوءه سماعه، ويقع بخلاف محبّته؛ فيحتاج منشىء الكلام إلى استعمال لفظ فى العبارة لا تنخرق معه هيبة الرئيس، ولا يعترض فيه ما يشتدّ عليه، ولا يكون أيضا معها خيانة فى طىّ ما لا يجب ستره، ولا يكمل لهذا إلا المبرّز الكامل المقدّم.
وسبيل ما يكتب به فى باب الشكر ألّا يقع فيه إسهاب؛ فإن إسهاب التابع فى الشكر، إذا رجع إلى خصوصية، نوع من الإبرام «٢» والتثقيل؛ ولا يحسن منه أن يستعمل الإكثار من الثناء والدعاء أيضا؛ فإن ذلك فعل الأباعد الذين لم تتقدّم لهم وسائل من الخدمة ومقدّمات فى الحرمة، أو تكون صناعتهم التكسّب بتقريظ الملوك وإطراء السلاطين. فلا يقبح إكثار الثناء من هؤلاء.
وليس يحسن منه أيضا تكرير الدعاء فى صدر الكتاب والرّقاع عندما يجريه من ذكر الرئيس؛ فإن ذلك مشغلة وكلفة، والحكم فيما يستعمله من ذلك فى الكتب مشبّه بحكم ما يستعمل منه شفاها. ويقبح من خادم السلطان أن «٣» يشغل سمعه فى مخاطبته إياه بكثرة الدعاء له وتكثيره عند استئناف كلّ لفظة.
وسبيل ما يكتب به التابع إلى المتبوع فى معنى الاستعطاف ومسألة النّظراء