للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقيقته شدة الغليان، وإنما ذكر الغيظ؛ لأن مقدار شدته على النفس مدرك محسوس، ولأن الانتقام منا يقع على قدره؛ ففيه بيان عجيب وزجر شديد لا تقوم مقامه الحقيقة البتة.

وقوله تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ

معناه ذهب، وسكت أبلغ؛ لأن فيه دليلا على موقع العودة فى الغضب إذا تؤمل الحال، ونظر فيما يعود به عبادة العجل من الضرر فى الدين، كما أن الساكت يتوقّع كلامه.

وقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً

. وحقيقته ذر بأسى وعذابى؛ إلا أن الأول أبلغ فى التهدد؛ كما تقول إذا أردت المبالغة والإيعاد: ذرنى وإياه، ولو قال: ذر ضربى له وإنكارى عليه لم يسدّ ذلك المسد، ولعله لم يكن حسنا مقبولا. وقوله عز وجل:

فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ

معناه كشفنا الظلمة، والأول أبلغ؛ لأنك إذا قلت: محوت الشىء فقد بينت أنك لم تبق له أثرا؛ وإذا قلت: كشفت الشىء مثل الستر وغيره لم تبن أنك أذهبته حتى لم تبق له أثرا. وقوله سبحانه: وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً

حقيقته مضيئة، والاستعارة أبلغ؛ لأنها تكشف عن وجه المنفعة، وتظهر موقع النعمة فى الإبصار.

وقوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً

حقيقته كثر الشيب فى الرأس وظهر، والاستعارة أبلغ؛ لفضل ضياء النار على ضياء الشيب، فهو إخراج الظاهر إلى ما هو أظهر منه، ولأنه لا يتلافى انتشاره فى الرأس، كما لا يتلافى اشتعال النار. وقوله تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ

، حقيقته بل نورد الحقّ على الباطل فيذهبه. والقذف أبلغ من الإيراد؛ لأن فيه بيان شدة الوقع وفى شدة الوقع بيان القهر، وفى القهر هاهنا بيان إزالة الباطل على جهة الحجة، لا على جهة الشك والارتياب، والدمغ أشد من الإذهاب، لأن فى الدمغ من شدة التأثير وقوة النكاية ما ليس فى الإذهاب. وقوله تعالى: عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ

وقوله عز اسمه: إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ

فالعقيم التى لا تجىء بولد؛ والولد من أعظم النعم، وأجسم الخيرات؛ ولهذا قالت العرب: شوهاء ولود، خير من حسناء عقيم.

<<  <   >  >>