مُقدّمتِهِ لهُ، وقد زادَ فيهِ أحكاماً ومسائلَ مُهمّةً من استنباطِهِ وفِقْههِ الدقيقِ، وحسنِ انتزاعِهِ للحجّةِ من كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ ثُمَّ تكلَّمَ على رجالِها توثيقاً وتجريحاً بما أغنانا عن الكلامِ علَيْها إلا ما ندرَ وقلَّ فأجادَ رحمَهُ اللهُ وأفادَ، ورضيَ الله عنهُ وعن سائرِ الأئمةِ الذين خدَموا كتابَ اللهِ وسنّةَ نبيّهِ، وأفنوا أعمارَهُم في ذلكَ دراسةً وتَصنيفاً وحِفْظاً.
قلتُ: ويحسنُ بنا هنا أن نذكرَ ممّا جاءَ في مقدمةِ شرحِهِ من بيانِ شرطِهِ في عملِهِ وكيفيةِ شرحهِ ليكونَ أمامَ القاريء الكريم واضحاً بيّناً، فقالَ رحمهُ اللهُ:" وشرَطْتُ فيهِ أنّي أذكرُ دليلَ المسألةِ من حديثٍ أو أثَرٍ يُحتَجُّ بهِ، وأعزو ذلك إلى الكتبِ السِّتّةِ، كبالبخاريّ ومسلم، وأبي داود، والنَّسائيِّ، والترمِذِيِّ، وابنِ ماجةَ، أو غيرِها، فإن كانَ الحديثُ في الصَّحيحين أو في أحدِهِما، اكتفيتُ بعزوِهِ إليهما أو إلى أحدِهما، وإلا ذَكَرْتُ من رَواهُ من أهلِ الكتُبِ المشهورةِ، وبيَّنتُ صحّتَهُ مِن سَقمِهِ، ولسْتُ أذْكرُ جميعَ ما ورَدَ في المسألةِ من أحاديثَ خشيةَ الإطالةِ، بلْ إن كانَ الحديثُ أو الأْثَرُ وافياً بالدلالةِ على المسألةِ اكتفيتُ بهِ، عمّا عداهُ، وإلا عَطَفْتُ علَيهِ ما يُقوّي سندَهُ أو معناهُ "، إلى أن قالَ فيما يتعلّقُ بالإختلافِ في المسألةِ في المَذْهبِ:" وإذا أطلَقَ المصنّفُ - يعني - صاحبَ التنبيهِ الشيخ أبا إسحاق - القولَ في الخلافِ في المسألةِ، قدَّمتُ دليلَ الصّحيحِ عند الأصحابِ، وثَنَّيْتُ بدلالةِ الآخرِ للفائدةِ، ولمْ أتعَرّضْ لدليل قولٍ أو وجْهٍ في مسألةٍ لم يَحْكِهِ المصنّفُ، إلاّ أن يكونَ هو الصّوابَ أو الراجحَ، وقد أُنَبِّهُ على وجْهِ الدّلالةِ من الحديثِ، إن كان فيها غموضٌ، وباللهِ أستعينُ وعليهِ أتوكّلُ، وهو حسبي ونعمَ الوَكيلُ، وإيّاهُ أسألُ أن ينفعَ بهِ، إنّهُ قريبٌ مُجيبٌ ". انتهى كلامهُ رحمهُ اللهُ.
- والذي يظهرُ من كلامِهِ رحمهُ اللهُ ويجدرُ ذكرهُ أنَّ الشرحَ ليس على طريقةِ كثيرٍ من الشّروحِ المعتادةِ التي يذكرُ الشارحُ فيها عبارةَ صاحبِ المتْنِ أو الأصلِ، واحدةً واحدةً ثم يُبيّنُها ويبسطُ الكلامَ فيها شرحاً وتعليقاً، بلْ إنّهُ كما تبيّنَ لنا لم يلتزمْ بذلك في ذكرِ عبارةِ صاحبِ المتنِ والأصلِ، إلا نادراً حيثُ شرحَ الكتاب على أساس ذكرِ أحكامٍ ومسائلَ على أبوابِهِ أولاً فأوّلاً، وتكلَّمَ أدلّتِهِ تخريجاً وحكْماً على سندِها