للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما بينَكمْ، فما بَلغني من حَدٍّ، فقد وجبَ " (١٥)، رواهُ أبو داودَ، والنّسائيُّ.

فيُؤخذُ منهُ: أنهُ لا يَقْطعُ السّارقَ إلا الإمامُ، فقد تقدّمَ الحديثُ: " أقيموا الحدودَ على ما ملكَتْ أيمانكمْ " (١٦)، وهو عامٌّ في القطعِ وغيرِهِ، على أحدِ الوجهينِ، وقد يقْوى الوجهُ الآخرُ بما رواهُ مالكٌ عن الزُّهريِّ عن السّائبِ بنِ يَزيدَ: " أنَّ عبد الله بنَ عمْرو الحضْرَميِّ جاء بغلامٍ لهُ إلى عمرَ بنِ الخطابِ، فقالَ: اقطعْ يدَ هذا، فإنهُ سرقَ، قالَ عمرُ: ماذا سرقَ؟، قالَ: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهماً، فقال عمر: أرسلْهُ، فليسَ عليهِ قطْعٌ، خادمُكمْ سرقَ مَتاعَكمْ " (١٧).

فيؤخذُ منهُ ما ذكرناهُ، لأنهُ رفعهُ إلى عمرَ، ولمْ يقطعْهُ بنفسِهِ، ولم ينكرْ عليهِ، ولا أُرشدَ إليهِ، وفيهِ: أنّ العبدَ إذا سرَقَ من مولاهُ، فلا قطعَ عليه، وقد يُستدلُّ به على أنه إذا سرقَ أحدُ الزّوجين من الآخرِ أنهُ لا يُقطعُ، لأنَّ العبدَ كانَ للزوجِ، ومعَ هذا فلمْ يقطعْه بسرقةِ مالِ زوجِها، بطريقِ الأولى، لأنَّ لها حقاً فيه، واللهُ أعلمُ.

عن عبد الرّحمن بنِ ثَعْلبةَ الأنصاريِّ عن أبيهِ: " أنَّ عمْرو بنَ سَمُرَةَ بن حبيبِ بنِ عبدِ شمسٍ، جاءَ إلى رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إني سرقتُ جملاً لبني فُلانٍ فطَهَّرني، فأرسلَ إليهم النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، فقالوا: إنا افتقدْنا جملاً لنا، فأمرَ بهِ فقُطعتْ يدُهُ، وهو يقولُ: الحمدُ لله الذي طهَّرني منكِ، أردتِ أنْ تُدخلي جسديَ النارَ " (١٨)، رواهُ ابنُ ماجة، وفي إسنادِهِ: ابنُ لهيعةَ.

فيُؤخذُ منهُ: أنهُ لا يُقْطَعُ إلا بمطالبةِ المسروقِ منهُ بالمالِ، وإن كانَ غائباً على المذهبِ.

قالَ تعالى: " والسَّارِقُ والسَّارقةُ فاقْطَعوا أيْديَهُما ".


(١٥) أبو داود (٢/ ٤٤٦) والنسائي (٨/ ٧٠).
(١٦) تقدم.
(١٧) مالك (٢/ ١٧٧)، والبيهقي (٨/ ٢٨٢) من طريقه.
(١٨) ابن ماجة (٢٥٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>