اعلم أن من زي الأدباء، وأهل المعرفة والعقلاء، وذوي المروءة والظرفاء، قلة الكلام في غير أرب، والتجاهل عن المداعبة واللعب، وترك التبذل بالسخافة والصياح بالفكاهة والمزاح، لأن كثرة المزاح يذل المرء، ويضع القدر، ويزيل المروءة، ويفسد الأخوة، ويجرئ على الشريف الحر، أهل الدناءة والشر. وقد أخبرني أحمد بن عبيد قال: أخبرني الأصمعي عن رجل من العرب قال: خرجت في بعض ليالي الظلم، فإذا أنا بجارية كأنها صنم، فراودتها عن نفسها، فقالت: يا هذا أما لك زاجر من عقل، إذا لم يكن لك واعظ من دين؟ قلت: والله ما يرانا إلا الكواكب. قالت: يا هذا فأين مكوكبها؟ فقلت: إنما كنت أمزح. فقالت:
فإياك، إياك المزاح، فإنه ... يجري عليك الطفل والدنس النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد وضاته، ... ويورث بعد العز صاحبه ذلا
وقال سليمان بن داود، عليهما السلام: المزاح يستخف فؤاد الحليم، ويذهب ببهاء ذي القدرة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من أكثر من شيء عرف به، ومن مازح استخف به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته. وكان يقال: لكل شيء بذر وبذر العداوة المزاح.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله: امنعوا الناس من المزاح، فإنه