للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[كيف يكون العاشق]

ومن عشق عندهم، فلم ينحل جسمه، ولم يطل سقمه، ويتبين الخشوع في حركته، والذل في نغمته، نسبوه إلى فساد الطبع، ونقصان اللب، وبعد الفهم، وموت القلب. ومن ادعى المحبة، فلم ينحل، ولم يسهر، ولم يخشع، ولم يذل، ولم يخضع، ولم يحمل نفسه على الأمور المتعبة والشدائد الفظيعة، ويركب فيها المراكب الوعرة، ويتقدم على الأشياء المهولة والأهوال المخوفة التي يلاقي فيها الموت، ويعاين فيها الفوت، ويباشر فيها الهلكة، ويغرر فيها بالمهجة، ويصبر منها على حتفه، ويخاطر بنفسه، ويرد الموارد التي يلاقي فيها الموت ويشرف منها على مهول الأمر الذي فيه تلفه وحينه، وحتى يعصي في هواه الأقارب، ويعالج فيه العجائب، فيكون كما قال العرجي:

كم قد عصيت إليك من متنصح، ... داني القرابة، أو وعيد أعادي

وتنوفة أرمي بنفسي عرضها ... شوقاً إليك، بلا هداية هادي

وكما قال سويد بن أبي كاهل:

كم جشمنا دون سلمى مهمهاً، ... نازح الغور، إذا الآل لمع

وكذاك الشوق ما أشجعه، ... يركب الهول، ويعصي من وزع

فليس بعاشق عندهم، ولا يثبت له اسم الهوى، ولا يلحق بالظرفاء، ولا يعد في الأدباء، لأن الهوى عندهم في النحول، والذهول، والضنى، والعناء، والأرق، والقلق، والسهر، والفكر، والذل والخضوع والانكسار والخشوع وإدمان البكاء وقلة العزاء، وكثرة الأنين وطول الحنين، وليس بعاشق من خرج عن

<<  <   >  >>