للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبلغنا أن منهم من عشق صورة في حمَّام، وخيالاً في منام، وكفاً في حائط، ومثالاً في ثوب. والعشق ألوان وأنواع وضروب وفنون، وأمره عجيب. وقال بعض الشعراء:

أبيت كأني للكواكب عاشق، ... فأكثر همي أن تزول الكواكب

عجبت لما يلقى من العشق أهله، ... وفيما يلاقي العاشقون عجائب

وبلغ العشق من عروة بن حزام أن أفرده ببلائه، وعذّبه بدائه، وآنسه بانفراده، وشرّده عن بلاده.

[موت عروة بن حزام]

وحكي عن ابن أبي عتيق قال: بينا أنا أسير في أرض بني عذرة، إذا أنا ببيت حرير، فدنوت منه، فإذا عجوز تمرض شاباً، وقد نهكته العلة، وبانت عليه الذلة، فسألتها عن خبره، فقالت: هذا عروة بن حزام، فدنوت منه فسمعته يقول:

من كان من أمهاتي باكياً لغدٍ، ... فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا

تسمعيه، فإني غير سامعه، ... إذا علوت رقاب القوم معروضا

فقلت: أنت عروة بن حزام؟ قال: نعم، أنا الذي أقول:

جعلت لعراف اليمامة حكمة، ... وعراف نجد إن هما شفياني

فقالا: نعم تشفى من الداء كله، ... وقاما مع العواد يبتدران

فما تركا من سلوة يعلمانها، ... ولا شربة، إلا بها سقياني

فقالا: شفاك الله، والله ما لنا، ... بما حملت منك الضلوع، يدان

فلهفي على عفراء لهفاً كأنه ... على النحر والأحشاء حدُّسنان

فعفراء أحظى الناس عندي مودة، ... وعفراء عني المعرض المتواني

<<  <   >  >>