للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ما اختير من ألفاظ الأدباء في المكاتبات]

واستُحسن من الظرفاء من مَليح المعاتبات

أخبرني الوضّاح بن ثابتٍ الكاتب قال: كنتُ عند بعض الكتّاب، إذ دخلَت عليه وصيفةٌ كأنها قمر، تتثنّى في مِشيتها كأنها جانٌّ، أو كأنها غُصن بانٍ ريّان، حتى وقفتْ بين يديه، فقالت: مولاتي تقرأ عليك السلام، وتقول لك: يا أخي! جَفَوتنا من غير استحقاق للجفاء، وملتَ إلى غير مذاهب الظرفاء، وإني لم أزل واثقةً بإخائك، راجيةً لحسن وفائك. وتحقيق ظنّ مؤمَّلِكَ، أولى بك من الوقوف على تجنّيك. فقال لها: اقرئي عليها السلام، وقولي لها: يا أختي! أنا من وُدّكِ على أحسن عهدك، ومن الأمل لكِ على أضعاف ما عندك ولقد استوحشنا من فقدِكِ، فاجعلي لنا حظّاً من أُنسك. فسألتُه عنها، فقال: جاريةُ عليّ بن الجَهم.

وأخبرني محمد بن إبراهيم الهمداني قال: أخبرني مولىً لمحمد بن عبد الله بن طاهر قال: قرأتُ رُقعةً لمولاي إلى بعض إخوانه: يا أخي مدَدْتَ يداً إلى المودّة مبتدئاً فشكرناك، وشفعتَ ذلك بشيء من الجَفاء فعذرناك، والرجوع إلى محمود الوَداد أولى بكَ من المُقام على مَكروه الصدّ.

وكتب بعض الظرفاء إلى صديق له: أيّدك الله بوفاء الأدب من النزع إلى الجَفاء، وجعل أخرَ سخطِك موصولاً بأوّل الرضاء.

وكتب بعض الأدباء إلى صديق له يستعتبه على جَفاء كان منه: ليس من تدبير من شَمَلته أُبّهة الحِكَم، وسَمَت به معالي الهِمَم، أن يعطف على عهود صديقٍ بعُقوقٍ، ولا تَضمحلّ واجبات الحقوق، ولا تُغيّره

<<  <   >  >>