للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفقير إذا تعدّى طوره، ورام أن يجاوز قدره، قبُح ذلك به، كما أنه يقبُح بذي الغنى ترم التعرّض لأسباب الهوى، وذلك لصغر نفسه الدنيّة، وسقوط همّته الردية، لا يمنعه من طلبه قلّة ذات يده، ولا تعذُّر الجدّ، بل فساد الطبع، وعدم الحاسّة، وموت الذات.

وبعد فإن كنا في تقدّمنا في غرض خطابنا، وفصول كتابنا، بإباحة العشق والهوى، ودعونا إليه الأدباء، وحثثنا عليه الظرفاء، وملأنا بذلك كتابنا، فإنا نُفرد للنصيحة فيه باباً يميل إليه أهل التدبير، وأهل المعرفة والتبحّر، ويرغب فيه العاقل، ويزهد فيه الجاهل، لأني أم أُخْلِه من كلامٍ منثور، وشعرٍ مشهور، فقفْ على ما أصّلتُ، يَبِن لك ما فرّعتُ، إن شاء الله.

النهي عن الهوى والتعرّض لأسباب الضنى

اعلم أنه يقبُح بالرجل الأديب، والعاقل اللبيب، أن يستخذي في هواه، ويُملِّك قلبه سواه، ويكون خادم قلبه، وأسير حبّه، لا سيما مع تغيُّر الزمان، وغدر الأحباب والخلاّن، ما يجد فيهم خليلاً صادقاً، ولا يصاحب إلا ماذقاً. ثم إن أجهل الجَهالة، وأضلَّ الضلالة، صبْرُ الفتى الأديب، على غدر الحبيب، فإنّ الصبر على الخيانة والغدر، يضع من المُرُوّة والقدْر؛ وقد قال بعض الشعراء فأحسن:

وإني، وإن حنّت إليكم ضمائري، ... فما قدرُ حيٍّ أن يذلّ له قَدري

فلا ينبغي لأحد أن يذلّ لهواه، فيُشمتَ بنفسه أعداه، ولا يركُنَ إلى

<<  <   >  >>