واعلم أن الهوى عندهم هو الهوان الصُّراح، والبلاء المتاح، لأنه يُهين الكريم، ويُذلُّ العزيز، ويدلّه العاقل، ويحطّ منزلة الشريف. وسُئلت أعرابية عن الهوى، فقالت: الهوى هو الهوان وإنما غُلِظ باسمه، واشتُقّ من طبعه، ولن يعرف ما أقول إلا من أبكته المنازل والطلول؛ وأنشأت تقول:
ليت الهوى لذوي الهوى لم يُخلقِ، ... بلْ ليت قلبي بالهوى لم يَعلق
إن الذي عَلِق الهوى بفؤاده، ... كمنوَّطٍ دون السماء مُعلَّقِ
لا يستطيع نزوله لشقائه، ... لكن إليه كل همٍّ يرتقي
إن الهوى لهو الهوان بعينه، ... ما ذاق طعم الذل من لم يعشق
وأُنشِدتُ لغيرها أيضاً:
إن الهوان هو الهوى نُقص اسمه، ... فإذا هويت لقد لقيتَ هَوانا
وإذا هَويتَ لقد تعبّدك الهوى، ... فاخضع لحبك كائناً من كانا
أنشدنا أبو عبد الله الواسطي لنفسه:
لم يدر ما بؤس الحياة ولينُها، ... إلا الذين مِنَ الهوى بمكان
كم من عزيزٍ قد ألمّ به الهوى، ... فأقرّ بعد كرامةٍ بهَوان
ليس الهوى إلا الهوان، ونونه ... نُقِصت كفعل الزور والبُهتان
ليس الحياة إذا نظرتَ، وبؤسها ... بين الوصال وغُصّة الهِجران
ما العشق عندي باختيارٍ إنما ... ذاك البلاء يُتاح للإنسان