خذوا بيدها فانطلقوا بها إلى أهله، إن كان له أهل، وإلا فبيعوها، وتصدقوا بها عنه، فلما انطلقوا بها نظرت إلى حُفرة في دار قد أُعيدت للمَطر، فجذَبت نفسها، وأنشأت تقول:
من مات عِشقاً فَلْتَمُتْ هكذا، ... لا خيرَ في العِشقِ بلا مَوتِ
وزجّت بنفسها في الحُفرة على دماغها، فماتت. فسُرّيُ عن محمد، وأحسنَ صِلةً الجاحظ.
[من مات من شدة الفقد]
وتضعضعت أعضاؤه من شدّة الوجد
حكايات عمن قتلهم الحبّ
حُكي لنا عن إسحاق بن إبراهيم عن الهيثم بن عَديّ، عن هشام بن حسّان، قال: حدثنا رجلٌ من بني تميم قال: خرجتُ في طلب ناقةٍ لي فورّدت على ماء من مياه طيء، فإذا بعسكرين، أحدهما قريبٌ شابٌّ مدنَفٌ قد نهكته العلة فهو كالشنّ البالي، فدنوت لأعرف خبره، فسمعته وهو يقول:
ألا ما للمليحة لا تعود، ... أسُخطٌ بالمليحة ألأم صُدودُ
مرضتُ، فعادني أهلي جميعاً، ... فما لك لا تُرى فيمن يعود
فقدتُكِ بينهم فتلفتُ شوقاً، ... وفقْد الإلف، يا سكني، شديدُ
فلو كنتِ المريض لجئتُ أسعى ... إليكِ، ولم ينهنهي القعود
قال: فسمعتْ كلامه، فبادرت نحوه، وبدرتها النساء، فتعكّفن بها، فأحسّ بها، فوثب مبادراً نحوها، فحبسه الرجال، فجعلَت تجذب نفسها من النساء، ويجذب نفسه من الرجال، حتى التقيا، فاعتنقا، وبكّينا، ثم شهقا فخرّا ميّتين.