وتينتك، وذلك عندهم أجلّ العيوب، تشمئزّ منه القلوب، ويَجتنبونه أشدّ الاجتناب، ويكتئبون له أمرَّ اكتئابٍ.
وكذلك لا تقول واحدةٌ لأخرى: ارفعي رجلكِ، ولا ذيلك، ولا اقعُدي عليه، ولا أدخليه وأخرجيه، ولا أصعديه، ولا صُبيّه، ولا انفُخيه، ولا سيّبي، ولا سرّحي، ولا شيلي، ولا انتحي، ولا اعملي، ولا قد عملتِ، ويَجتنبون ذلك وما أشبهه من الكلام، مما كثُر استعماله في خِطاب العوامّ، ولا يَكادون يلفظون به، ولا يُطيف بألسنتهم، ولا يُجيزونه في شيء من مُخاطبتهم، ويَحذرونه، ويتوقّون منه، ويَعيبون المتكلّم به، ويُعرضون عنه.
[ذكر زيهم في الشراب]
الذي يتخيّره ذوو الألباب
أما ما عليه الظرفاء، وأهل المروّة والأدباء، فإنهم لا يشربون من الشراب أسوده، ولا يشربون إلا أجوده، مثل المشمّس، والزّبيبي، والمعسَّل، والمطبوخ، والطلاء، والمعدَّل، ولا يقربون ما لاءمه الخثَرُ، ولا ما خالطه الكَدَر؛ ولا يشربون إلا ما صفا من الشراب، ويتجاللون عن المسحوري الدوشاب، إذ هو من شراب العامّة والرَّعاع، وشُرب السوقة والأتباع؛ ولا يتنقّلون على شرابهم بالأشياء الزَّذْلة مثل الباقلي والبلّوط، والبُسر المقلوّ، والقَريثاء، والحنطة، والغُبيراء، والشاهْبَلوط، والخُرنوب الشامي، وما أشبه من الأنفال.
وأكثر ما يتنقّل به المتظرّفون، ويعبث به المُتزيّكون، مملوح البُندق، ومقشَّر الفستق، والملح النِّفطي، والعود الهندي، والطين الخراساني، والملح