فاستعمل واحداً على مِثاله، ثم بعث به إليها، فأنكرتِ الفَصَّ، فبعثت به إليه، ولن تأته، فدخل على حِياله، فلما رآه مَثلَ بين يديه، وأنشأ يقول:
تفديك روحي، يا أبا جعفر، ... جاريةٌ كالقمر الأزهرِ
تعلّقَتْني، وتعلّقتُها، ... طِفلين في المَهدِ إلى المَكْبَرِ
كنتُ إليها نتهادى الهوى ... بخاتَمٍ لي غير مُستنكَرِ
فأنكرَتْهُ إذ رأت فَصَّهُ، ... فأدركتها غَيْرةُ المُنكِرِ
قالت: لقد كان له خاتَمٌ ... أحمرُ أهداه إلينا سَري
فاليوم قد عُلّقَ غيري، فقد ... أهدى له الخاتَمَ، لا أمتري
آمنتُ بالله وآياته ... إنْ أنا لم أهجُرْهُ، فليَصْبِرِ
أو يأتِ بالحُجّة في تُهمتي ... إياه في خاتَمه الأحمر
فاردُدْهُ تردُدْ وصلَها، إنها ... قُرّةُ عيني، يا أبا جعفرِ
فأخرجه من إصبعه فدفعه إليه. فهذا دليل على إجازة تَهادي الخواتيم، وحفظها لأربابها، وشدة الغضَب والغَيرة عند ذهابها.
فأما الطعام فعيوبه أشدّ الأشياء على الظُّرفاء ضَرراً، وهم من عيوبه أشدّ توقّياً وحذراً، لتكاثُف عيوبه، وكثرة مَعيبه، وأنا أبيّن لك زِيَّهم في ذلك، وما استحسنوه في ذلك واستعملوه، وما استقبحوه فاجتنبوه، إن شاء الله.
[ذكر زي الظرفاء في الطعام]
الذي بانوا به عن منزلة اللّئام
اعلم أن أول ما استعملوه تصغير اللُّقَم، والتجالُل عن الشَّرَه والنهم،