إني مَزَحْتُ، ولم أعلم بخاتَمه، ... فكان منه ابتداءُ الهَجر والغَضَبِ
قد كنتُ ما قال أهلُ الظّرف أُنكره ... وكان قولُهُم عندي من اللعِبِ
إن الخَواتيمَ فيها قطعُ مَصلكُمُ، ... فقلتُ: هذا لعَمْري غايةُ الكَذِبِ
حتى ابتُليتُ، فكان الحقّ قولهُمُ، ... أخذُ الخَواتيمِ فيه أكثرُ العَطَبِ
وأنشدني صديقٌ لي في ضدّ ذلك:
يقول أناسٌ في الخواتيم إنها ... تُقطِّع أسبابَ الهوى؟ وأقولُ
بأنّ خَواتيم المِلاح وَصولةٌ، ... وخاتَمُ من تَهوى المِلاحُ وَصولُ
والعِلّة فيما كَرِهَه الظرفاء، وتطيّر منه الأدباء، من هديّة التِّكّة والخاتَمِ، حتى صار مستفيضاً في العالم أن هذين وحدهما من جميع اللباس إنْ يُستطرَفا فيُستلبا، ويُستحسنا فيُستَوهَبا، وأن الواحدَ إذا أهدى إلى خليله، وأرسل إلى حبيبه بخاتَمه، أو تِكّته، ففُقد ذلك من يده أو حَوزته، بعثه باعث من غَيرته على قَطيعته وهجرته، فأما من يَتَلقّى هدية إخائه بالقَبول، ويُنزلها منه بالمنزل الجليل، ويحفظّها كحفظه لبصره، ويُشفق عليها من الدهر وغيره، فهو آمنٌ من المُجانبة، مستريحٌ من المعاتبة، وقد رأيناهم ربما أهدّوا ذلك فيُهدونه على سبيل البيع، ويأخذون منهم الشيء الطفيف اليَسير، كالدرهم الصغير، والقِطعة من البَخور، فيُخرَجُ بهذا البيع عن حدّ الهديّة، ويأمنون ما فيه من مكْروه البليّة. وقد بلغني أن أبا نُواس دخل على خالد خَيْلَوَيه، فنظر في إصبعه إلى خاتَم، فقال: أرنيه، فدفعه إليه، وكان علامةً بينه وبين جاريةٍ يُحبّها، فانصرف،