بين في منطقه، غير مستتر عند صمته، دلائله واضحة في مشيته وزيه ولفظه، يستدل عليه بظاهر حركة الملاحة دون اختبار باطن الحلاوة، ألا ترى أن من زيهم التقزز، والنظافة، والملاحة واللطافة، وإظهار البزة، وطيب الرائحة، فالنفوس إليهم تائقة، والقلوب وامقة، والعيون رامقة، والأرواح عاشقة.
وإن من زيهم الوقار، والخشوع، والسكون، والخضوع، والتصنع بالأخلاق الوضية، والشيم السنية، والمذاهب الجميلة، والهمم الجليلة. ومما يستدل به على كمال أدبهم، ويعرف به رجحان هممهم، كثرة استعمالهم الهوى، وطول معاناتهم الجوى، وهو من أحسن مذاهبهم، وأجل مناقبهم. ولسنا نقول إن الهوى ليس بفرض على ذوي العقل، كما قال ذو التقصير والجهل، بل هو من أوكد الفرض عليهم، وأثبت الحجة للمتفرس الناظر إليهم على حسن تركيب الطباع والغرائز، وصفاء جواهر الهمم والنحائز، إذ هو عند ذوي العلوم والأحكام من أجمل مذاهب الأدباء والكرام، وقال محمود الوراق في ذلك، إذ كان الحب عنده كذلك:
ألم تعلم، فداك أبي وأمي، ... بأن الحب من شيم الكرام
وليس يخلو أديب من هوى، ولا يعرى من ضنىً، لأن الهوى كما وصفته العلماء، وكما قال فيه الحكماء، إنه هو أول باب تفتق به الأذهان، وينفسح به الجنان، وله سورة في القلب يحيا بها اللب، وقد يشجع الجبان، ويسخي البخيل، ويطلق لسان العي، ويقوي حزم العاجز، ليأنس به