وسوابق العَبرات فوق خدودهم، ... هُطلاً تلوح كأنها القطْر
صرعى على جسر الهوى لشقائهم، ... بنفوسهم يتلاعب الدهر
قال: وخُبّرت عن الأصمعي أيضاً أنه قال: رأيت جاريةً وهي تقول: اللهمّ، مالك يوم القضاء وخالق الأرض والسماء، ارحم أهل الهوى، واستنقذهم من عظيم البلاء، واعطف عليهم قلوب أودّائهم بالصفاء، فإنك سميع النجوى، قريبٌ لمن دعا؛ ثم أنشأت تقول:
يا ربّ! إنك ذو منٍّ ومغفرةٍ، ... بيِّتْ بعافيةٍ منك المحبينا
الذاكرين الهوى من بعد ما سهروا، ... حتى يظلوا على الأيدي مكبّينا
فقلت: يا هذه، أتُغنّين وأنت في الطواف؟ فقالت: إليك عني، لا يُهقك الحب! فقلت لها: وما الحب؟ وأنا به أعرف منها. فقالت: جلّ أن يخفى ودقّ عن أن يُرى له كمونٌ ككمون النار في الحجر، إن قدحته أوراك، وإن تركته توارى. قال: فتبعتها حتى عرفت منزلها، فلما كان من الغد جاء مطر شديد، فمررت ببابها، وهي قاعدةٌ مع أتراب لها زُهرٍ، يقلن لها: لقد أضرّ بنا المطر، ولولا ذلك لخرجنا إلى التطواف؛ فأنشأت تقول:
قالوا أضرّ بنا السحاب بقطره، ... لما رأوه لعبرتي يحكي
لا تعجبوا مما ترون، وإنما ... هذا السحاب لرحمتي يبكي
وزعم قومٌ أنه لا ذنب على أهل الهوى ولا وزر، وأن خطاياهم تُمحّص عنهم بطول بلائهم، وكثرة زفراتهم وما لقوا من الشقاء بأودائهم.
وأخبرني أحمد بن يحيى عن عبد الله بن شَبيب عن رجل ذكره قال: