[سجع على قوله تعالى]
{التائبون العابدون} سُبْحَانَ مَنْ وَفَّقَ [لِلتَّوْبَةِ] أَقْوَامًا، ثَبَّتَ لَهُمْ عَلَى صِرَاطِهَا أَقْدَامًا، كَفُّوا الأَكُفَّ عَنِ الْمَحَارِمِ احْتِرَامًا، وَأَتْعَبُوا فِي اسْتِدْرَاكِ الْفَارِطِ عِظَامًا، فَكَفَّرَ عَنْهُمْ ذُنُوبًا وَآثَامًا، وَنَشَرَ لَهُمْ [بِالثَّنَاءِ] عَلَى مَا عَمِلُوا أَعْلامًا، فَهُمْ عَلَى رِيَاضِ الْمَدَائِحِ بِتَرْكِ الْقَبَائِحِ يَتَقَلَّبُونَ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ.
كَشَفَ لَهُمْ سَجْفَ الدُّنْيَا فَرَأَوْا عُيُوبَهَا، [وَأَلاحَ لَهُمُ الأُخْرَى فَتَلَمَّحُوا غُيُوبَهَا، وَبَادَرُوا شَمْسَ الْحَيَاةِ يَخَافُونَ غُيُوبَهَا] وَأَسْبَلُوا مِنْ دُمُوعِ الأَجْفَانِ عَلَى تِلْكَ الأَشْجَانِ غُرُوبَهَا، وَاشْتَغَلُوا بِالطَّاعَاتِ فَحَصَّلُوا مَرْغُوبَهَا، وَحَثَّهُمُ الإِيمَانُ عَلَى الْخَوْفِ فَمَا يَأْمَنُونَ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ.
نَدِمُوا عَلَى الذُّنُوبِ فَنَدَبُوا، وَسَافَرُوا إِلَى الْمَطْلُوبِ فَاغْتَرَبُوا، وَسَقَوْا غَرْسَ الْخَوْفِ دَمْعَ الأَسَفِ وَشَرِبُوا، فَإِذَا أَقْلَقَهُمُ الْحَذَرُ طَاشُوا وَهَرَبُوا، وَإِذَا هَبَّ عَلَيْهِمْ نَسِيمُ الرَّجَاءِ عَاشُوا وَطَرِبُوا، فَتَأَمَّلْ أَرْبَاحَهُمْ وَتَلَمَّحْ مَا كَسَبُوا، وَاعْلَمْ أَنَّ نَيْلَ النَّصِيبِ بِالنَّصَبِ يَكُونُ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ.
نَظَرُوا إِلَى الدُّنْيَا بِعَيْنِ الاعْتِبَارِ، فَعَلِمُوا أَنَّهَا لا تَصْلُحُ لِلْقَرَارِ، وَتَأَمَّلُوا أَسَاسَهَا فَإِذَا هُوَ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فنغصوا بالصيام لذة الهوى بالنهار، وبالأسحارهم يَسْتَغْفِرُونَ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ.
هَجَرُوا الْمَنَازِلَ الأَنِيقَةَ، وَفَصَمُوا عُرَى الْهَوَى الْوَثِيقَةَ، وَبَاعُوا الْفَانِيَ بِالْبَاقِي وَكَتَبُوا وَثِيقَةً، وَحَمَّلُوا نَجَائِبَ الصَّبْرِ فَوْقَ مَا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، وَطَلَبُوا الآخِرَةَ وَاللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، هَكَذَا يَكُونُ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ.
أَبْدَانُهُمْ قَلْقَى مِنَ الْجُوعِ وَالضَّرَرِ، وَأَجْفَانُهُمْ قَدْ حَالَفَتْ فِي اللَّيْلِ السَّهَرَ، وَدُمُوعُهُمْ تَجْرِي كَمَا يَجْرِي دَائِمَةُ الْمَطَرِ، وَالْقَوْمُ قَدْ تَأَهَّبُوا فَهُمْ عَلَى أَقْدَامِ السَّفَرِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute