الحمد لله خالق الجامد والحساس، ومبدع الأنواع والأجناس، القوي في سلطانه الشديد الباس، المنزه عن السنة والنعاس، المخرج رطب الثمار من يابس الأغراس، نفذ قضاؤه فلم يمتنع بأحراس، وقهر عزه كل صعب المراس لا يعزب عن سمعه حركات الأضراس، ولا دبيب ذر بالليل، في مطاوي قرطاس، نفذت مشيئته فكم مجتهد عاد بالياس، يفعل ما يريد لا بمقتضى تدبير الخلق والقياس، قدم نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم عن كل نبي دبر وساس، فسبحان من أجزل له العطا، وجعله خير نبي حارب وسطا، وقال لأمته:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} .
أحمده حمدا يدوم بدوام اللحظات والأنفاس، وأصلي على رسوله محمد الذي شرعه مستقر ثابت الأساس، وعلى صاحبه أبي بكر الثابت العزم وقد ارتد الناس، وعلى عمر قاهر الجبابرة الأشواس، وعلى عثمان الصابر يوم الشهادة على مرير الكاس، وعلى علي أهدى الجماعة إلى نص أو قياس، وعلى عمه وصنو أبيه العباس.
قال الله تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا} الكاف في قوله: {كذلك} كاف التشبيه، فالكلام معطوف على قوله تعالى:{ولقد اصطفيناه في الدنيا} والتقدير: فكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم: كذلك