فَكَشَفْتَ عَنْهُ الْبَلاءَ إِلا مَا رَحِمْتَ وَلَدِي وَوَهَبْتَ لِي ذَنْبَهُ. وَسَمِعَ الْحَسَنُ هَاتِفًا يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ رَحِمَ الْفَتَى وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَحَضَرَ الْحَسَنُ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ جِنَازَتَهُ.
يَا أَهْلَ الذُّنُوبِ لا يَغُرَّنَّكُمُ الإِمْهَالُ فَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ وَلَيَالٍ , رُبَّ مَشْغُولٍ بِلَذَّاتِهِ عَنْ ذِكْرِ تَخْرِيبِ ذَاتِهِ , يَلْهُو بِأَمَلِهِ عَنْ تَجْوِيدِ عَمَلِهِ , يَتَقَلَّبُ فِي أَغْرَاضِهِ نَاسِيًا قُرْبَ إمراضه , بغته الفاجع بباسه فأخذ عَنْ أَهْلِهِ وَجُلاسِهِ.
سَجْعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى
{ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل} كَمْ مَأْخُوذٍ عَلَى الزَّلَلِ خُتِمَ لَهُ بِسُوءِ الْعَمَلِ , نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ , فَيَا هَوْلَ مَا نَزَلَ , فَأَسْكَنَهُ الْقَبْرَ فَكَأَنْ لَمْ يَزَلْ , وَهَذَا مَصِيرُ الْغَافِلِ لَوْ غَفَلَ {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا ويلههم الأمل} .
كَمْ نَائِمٍ عَلَى فِرَاشِ التَّقْصِيرِ , مُغْتَرٌّ بِعُمْرٍ قَصِيرٍ , صَاحَ بِهِ فَلَمْ يُبَالِ النَّذِيرَ , فَاسْتَلَبَهُ الْخَطَأُ وَالتَّبْذِيرُ , فَلَمَّا أَحَسَّ الْبَاسَ ثَارَتْ مِنْ نِيرَانِ النَّدَمِ شُعَلٌ {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأمل} .
كَمْ مُسْتَحِلٍّ شَرَابَ الْهَوَى شَرِبَ مِنْ كَأْسِهِ حَتَّى ارْتَوَى , بَيْنَا هُوَ عَلَى جَادَّةِ إِعْرَاضِهِ هَوَى , فَمَا نَفَعَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مَا حَوَى , وَلا مَا شَرِبَ وَلا مَا أَكَلَ {ذَرْهُمْ يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل} .
لا تَغْتَرِرْ بِنَعِيمِ الْقَوْمِ , فَإِنَّ غَدًا بَعْدَ الْيَوْمِ , دَعْهُمْ فَمَا يُؤْثَرُ فِيهِمُ اللَّوْمُ , وَهَلْ ينفع التحريك مَيِّتًا وَهَلْ {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ} .
يَجْمَعُونَ الْحُطَامَ بِكَسْبِ الْحَرَامِ , وَيَتَفَكَّرُونَ فِي نَصْبِ شَرَكِ الآثَامِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ , يَرْقُدُونَ فِي اللَّيْلِ وَفِكْرُهُمْ فِي الْوَيْلِ طَوِيلٌ لا يَنَامُ , وَالأَقْدَامُ فِيمَا لا يَحِلُّ إِقْدَامٌ تَسْعَى فِي هَوَاهَا سَعْيَ الرَّمَلِ {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ} .
مَا عِنْدَهُمْ خَبَرٌ مِنَ السَّاعَةِ , وَالْعُمْرُ يَمْضِي سَاعَةً فَسَاعَةً , خَسِرُوا فِي أَشْرَفِ