(إِذَا رَوَاهَا الدَّهْرُ فِي أَبْيَاتِهِ ... طَرَّبَ إِعْجَابًا بِهَا وَلَحَّنَا)
(وَإِنَّ بِهَا وَرْقَاءَ لَيْلٍ غَرَّدَتْ ... مُدَّ إِلَيْهَا كُلُّ غُصْنٍ فَنَّنَا)
كَانَ عُمَرُ بَعْدَ أَعْمَالِهِ الْجَمِيلَةِ يَقُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ: الْوَيْلُ لِعُمَرَ إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللَّهُ لَهُ!
وَفِي الصحيحين أنه لما توفي قال علي عليه السلام: مَا خَلَّفْتُ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ.
الْكَلامُ على قوله تعالى
{وجوه يومئذ ناعمة} كَانَتْ أَقْدَامُهُمْ فِي الدُّجَى قَائِمَةً , وَعُيُونُهُمْ سَاهِرَةً لا نائمة , وقلوبهم على الطاعات عَازِمَةً , وَهَذِهِ أَفْعَالُ النُّفُوسِ الْحَازِمَةِ , فَوَجَبَتْ لَهُمْ نجاة قطعية جازمة {وجوه يومئذ ناعمة} .
وُجُوهٌ طَالَ مَا غَسَلَتْهَا الدُّمُوعُ , وُجُوهٌ طَالَ مَا أَذَلَّهَا الْخُشُوعُ , وُجُوهٌ أُظْهِرَ عَلَيْهَا لِلاصْفِرَارِ الْجُوعُ , خَاطَرَتْ فِي الْمَهَالِكِ فَأَصْبَحَتْ سَالِمَةً {وُجُوهٌ يومئذ ناعمة} .
وجوه أذعنت إذ عنت ولذت , وُجُوهٌ أَلِفَتِ السُّجُودَ فَمَا مَلَّتْ , وُجُوهٌ تَوَجَّهَتْ إلينا وعن غيرنا تولت , زالت عَنْهَا فَتْرَةُ الْهَجْرِ وَتَجَلَّتْ , فَحَلَّتْ غَانِمَةً.
سَهَرُهُمْ إِلَى الصَّبَاحِ قَدْ أَثَّرَ فِي الْوُجُوهِ الصِّبَاحِ , وَاقْتِنَاعُهُمْ بِالْخُبْزِ الْقِفَارِ وَالْمَاءِ الْقَرَاحِ , قَدْ عَمِلَ فِي الأَجْسَامِ وَالأَشْبَاحِ , وَخَوْفُهُمْ مِنَ اجْتِرَاحِ الْجَنَاحِ قَدْ صَيَّرَهُمْ كَمَقْصُوصِ الْجَنَاحِ , وَعَلَى الْحَقِيقَةِ فَكُلُّ الأَرْوَاحِ مِنَ الْخَوْفِ هَائِمَةٌ.
تَجْرِي دُمُوعُهُمْ فِي الْخُدُودِ كَالْمِيَاهِ فِي الأُخْدُودِ , وَتَعْمَلُ نَارُ الْحَذَرِ في الكبود