المجلس الثامن
فِي ذِكْرِ الْعَشْرِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ
الْحَمْدُ للَّهِ عالم السِّرَّ وَالْجَهْرَ، وَقَاصَمَ الْجَبَابِرَةَ بِالْعِزِّ وَالْقَهْرِ، مُحْصِي قَطَرَاتِ الْمَاءِ وَهُوَ يَجْرِي فِي النَّهْرِ، فَضَّلَ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى بَعْضٍ حَتَّى أَوْقَاتَ الدَّهْرِ {ليلة القدر خير من ألف شهر} . فهو المتفرد بِإِيجَادِ خَلْقِهِ الْمُتَوَحِّدُ بِإِدْرَارِ رِزْقِهِ، الْقَدِيمُ فَالسَّبْقُ لِسَبْقِهِ، الْكَرِيمُ فَمَا قَامَ مَخْلُوقٌ بِحَقِّهِ، عَالِمٌ بِسِرِّ الْعَبْدِ وَسَامِعٌ نُطْقَهُ، وَمُقَدِّرٌ عِلْمَهُ وَعَمَلَهُ وَعُمْرَهُ وَفِعْلَهُ وَخَلْقَهُ، وَمُجَازِيهِ عَلَى عَيْبِهِ وَذَنْبِهِ وَكَذِبِهِ وَصِدْقِهِ، الْمَالِكُ الْقَهَّارُ فَالْكُلُّ فِي أَسْرِ رِقِّهِ، الْحَلِيمُ السَّتَّارُ فَالْخَلْقُ فِي ظِلِّ رِفْقِهِ، أَرْسَلَ السَّحَابَ تُخَافُ صَوَاعِقُهُ وَيُطْمَعُ فِي وَدْقِهِ، يُزْعِجُ الْقُلُوبَ رَوَاعِدُهُ وَيَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ، جَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَالْقَمَرَ نُورًا بَيْنَ غَرْبِهِ وَشَرْقِهِ.
أَحْمَدُهُ عَلَى الْهُدَى وَتَسْهِيلِ طُرُقِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي رَتْقِهِ وَفَتْقِهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَالضَّلالُ عَامٌّ فَمَحَاهُ بِمَحْقِهِ، صَلَّى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ السَّابِقِ بِصِدْقِهِ، وَعَلَى عُمَرَ كَاسِرِ كِسْرَى بِتَدْبِيرِهِ وَحِذْقِهِ، وَعَلَى عُثْمَانَ جَامِعِ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَبْدِيدِهِ فِي رِقِّهِ، وَعَلَى عَلِيٍّ وَاعْذُرُونَا فِي عِشْقِهِ، وَعَلَى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ مُشَارِكِهِ فِي أَصْلِهِ وَعِرِقْهِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} . الهاء في {أنزلناه} كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أُنْزِلَ جُمْلَةً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ وَهُوَ بَيْتٌ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute