للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَجْعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غفلة من هذا}

كَأَنَّكَ بِالْعُمْرِ قَدِ انْقَرَضَ، وَهَجَمَ عَلَيْكَ الْمَرَضُ، وَفَاتَ كُلُّ مُرَادٍ وَغَرَضٍ، وَإِذَا بِالتَّلَفِ قَدْ عَرَضَ أَخَّاذًا {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا} .

شخص البصر وسكن الصوت، ولم يمكن التَّدَارُكُ لِلْفَوْتِ، وَنَزَلَ بِكَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَسَامَتِ الرُّوحُ وَحَازَى {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا} .

عَالَجْتَ أَشَدَّ الشَّدَائِدِ، فَيَا عَجَبًا مِمَّا تُكَابِدُ، كَأَنَّكَ قَدْ سُقِيتَ سُمَّ الأَسَاوِدِ فَقَطَعَ أَفْلاذًا {لقد كنت في غفلة من هذا} .

بَلَغَتِ الرُّوحُ إِلَى التَّرَاقِي، وَلَمْ تَعْرِفِ الرَّاقِيَ مِنَ السَّاقِي، وَلَمْ تَدْرِ عِنْدَ الرَّحِيلِ مَا تُلاقِي، عِيَاذًا بِاللَّهِ عِيَاذًا {لَقَدْ كُنْتَ فِي غفلة من هذا} .

ثُمَّ دَرَجُوكَ فِي الْكَفَنِ وَحَمَلُوكَ إِلَى بَيْتِ الْعَفَنِ، عَلَى الْعَيْبِ الْقَبِيحِ وَالأَفَنِ، وَإِذَا الْحَبِيبُ مِنَ التُّرَابِ قَدْ حَفَنَ، وَصِرْتَ فِي الْقَبْرِ جُذَاذًا {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} .

وَتَسَرَّبَتْ عَنْكَ الأَقَارِبُ تَسْرِي، تَقُدُّ فِي مَالِكَ وَتُفْرِي، وَغَايَةُ أَمْرِهِمْ أَنْ تَجْرِيَ دُمُوعُهُمْ رَذَاذًا {لقد كنت في غفلة من هذا} .

قَفَّلُوا الأَقْفَالَ وَبَضَّعُوا الْبِضَاعَةَ، وَنَسُوا ذِكْرَكَ يَا حَبِيبَهُمْ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَبَقِيتَ هُنَاكَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، لا تَجِدُ وَزَرًا وَلا مَعَاذًا {لقد كنت في غفلة من هذا} .

ثُمَّ قُمْتَ مِنْ قَبْرِكَ فَقِيرًا، لا تَمْلِكُ مِنَ الْمَالِ نَقِيرًا، وَأَصْبَحْتَ بِالذُّنُوبِ عَقِيرًا، فَلَوْ قَدَّمْتَ مِنَ الْخَيْرِ حَقِيرًا صَارَ مَلْجَأً وَمَلاذًا، {لقد كنت في غفلة من هذا} .

وَنُصِبَ الصِّرَاطُ وَالْمِيزَانُ، وَتَغَيَّرَتِ الْوُجُوهُ وَالأَلْوَانُ، وَنُودِيَ: شَقِيَ فُلانُ بْنُ فُلانٍ، وَمَا تَرَى لِلْعُذْرِ نَفَاذًا {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} .

كَمْ بَالَغَ عَذُولُكَ فِي الْمَلامِ، وَكَمْ قَعَدَ فِي زَجْرِكَ وَقَامَ، فَإِذَا قَلْبُكَ مَا اسْتَقَامَ، قُطِعَ الْكَلامُ عَلَى ذَا {لَقَدْ كُنْتَ فِي غفلة من هذا} .

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>