للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفناء لتساقطت القلوب منهم حُزْنًا، وَلَوْ رَأَتِ الْعُقُولُ بِعَيْنِ الإِيمَانِ نُزْهَةَ الْجَنَّةِ لَذَابَتِ النُّفُوسُ شَوْقًا، وَلَوْ أَدْرَكَتِ الْقُلُوبُ كُنْهَ الْمَحَبَّةِ لِخَالِقِهَا لَتَخَلَّعَتْ مَفَاصِلُهَا وَلَهًا. فَسُبْحَانَ مَنْ أَغْفَلَ الْخَلِيقَةَ عَنْ كُنْهِ عَيْنِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ، وَأَلْهَاهُمْ بِالْوَصْفِ عَنْ حَقَائِقِ هَذِهِ الأَنْبَاءِ:

(مَنْ نَالَ مِنْ جَوْهَرِ الأَشْيَاءِ بُغْيَتَهُ ... يَأْسَى ويحقر قوما حَظُّهُمْ عَرَضُ)

(إِنِّي لأَعْجَبُ مِنْ قَوْمٍ يَشِفُّهُمُ ... حُبُّ الزَّخَارِفِ لا يَدْرُونَ مَا الْغَرَضُ)

(أَلا عُقُولٌ أَلا أَحْلامٌ تَزْجُرُهُمْ ... بَلَى عُقُولٌ وَأَحْلامٌ بِهَا مَرَضُ)

إِخْوَانِي: مَنْ آثَرَ قِنَاعَ الْقَنَاعَةِ حَاطَهُ مِنْ رِدَاءِ الرَّدَى، وَمَتَى سَاعَدَ الْفَقْرَ سَاعِدُ الصَّبْرِ قَلَعَ قَلْعَةَ الْحِرْصِ فَاسْتَنَارَتْ طَرِيقُ الْهُدَى بِمِصْبَاحِ الْيَقَظَةِ، وَمَتَى تَأَجَّجَتْ نِيرَانُ الْخَوْفِ أَحْرَقَتْ مَوَاطِنَ الْهَوَى وَطَرَدَتْ عَنْهُ الدُّنْيَا:

(تَزَوَّدْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ هَالِكٌ ... وَتَتْرُكُ لِلأَعْدَاءِ مَا أَنْتَ مَالِكُ)

(وَوَسِّعْ طَرِيقًا أَنْتَ سَالِكُهُ غَدًا ... فَلا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ تَضِيقُ الْمَسَالِكُ)

الْكَلامُ على قوله تعالى

{حم والكتاب المبين} اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي " حم " عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا مَعْرُوفَةُ الْمَعْنَى. ثُمَّ لِهَؤُلاءِ فِيهَا قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا حُرُوفٌ مِنْ أَسْمَاءٍ. وَلِهَؤُلاءِ فِيهَا ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا مِنَ الرَّحْمَنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الر، وَحم، وَن، اسْمُ الرَّحْمَنِ عَلَى الْهِجَاءِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَاءَ مِفْتَاحٌ اسْمُهُ حَمِيدٌ وَالْمِيمَ مِفْتَاحٌ اسْمُهُ مَجِيدٌ قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>