للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَعَرٌ مِثْلَ النَّيَازِكِ , وَعَادَتِ الشُّعْبَتَانِ فَمَا مِثْلُ الْقَلِيبِ الْوَاسِعِ فِيهِ أَضْرَاسٌ وَأَنْيَابٌ لَهَا صَرِيفٌ , فَلَمَّا عَايَنَ مُوسَى ذَلِكَ وَلَّى مُدْبِرًا , فَذَهَبَ حَتَّى أَمْعَنَ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَعْجَزَ الْحَيَّةَ , ثُمَّ ذَكَرَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَوَقَفَ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ.

ثُمَّ نُودِيَ: يَا مُوسَى إِلَيَّ فَارْجِعْ حَيْثُ كُنْتَ. فَرَجَعَ وَهُوَ شَديِدُ الْخَوْفِ فَقَالَ: {خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى} وَعَلَى مُوسَى حِينَئِذٍ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ قَدْ خَلَّلَهَا بِخِلالٍ مِنْ عِيدَانٍ , فَلَمَّا أَمَرَهُ بِأَخْذِهَا ثَنَى طَرَفَ الْمِدْرَعَةِ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ لَهُ مَلَكٌ: أَرَأَيْتَ يَا مُوسَى لَوْ أَذِنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا تُحَاذِرُ أَكَانَتِ الْمِدْرَعَةُ تُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا؟ قَالَ: لا وَلَكِنِّي ضَعِيفٌ وَمِنْ ضَعْفٍ خُلِقْتُ. فَكَشَفَ عَنْ يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا فِي الْحَيَّةِ حَتَّى سَمِعَ حِسَّ الأَضْرَاسِ وَالأَنْيَابِ , ثُمَّ قَبَضَ فَإِذَا هِيَ عَصَاهُ الَّتِي عَهِدَهَا وَإِذَا يَدَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَضَعُهَا فِيهِ إِذَا تَوَكَّأَ بَيْنَ الشُّعْبَتَيْنِ , فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ادْنُ فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِيهِ حَتَّى أَسْنَدَ ظَهْرَهُ بِجِذْعِ الشَّجَرَةِ , فَاسْتَقَرَّ وَذَهَبَتْ عَنْهُ الرِّعْدَةُ , ثُمَّ جَمَعَ يَدَيْهِ فِي الْعَصَا وَخَشَعَ بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ أَقَمْتُكَ الْيَوْمَ مَقَامًا لا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ بَعْدَكَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَكَ , أَدْنَيْتُكَ وَقَرَّبْتُكَ حَتَّى سَمِعْتَ كَلامِي وَكُنْتَ بِأَقْرَبِ الأَمْكِنَةِ مِنِّي , فَانْطَلِقْ بِرِسَالَتِي , فَإِنَّكَ بِعَيْنِي وَسَمْعِي وَإِنَّ مَعَكَ يَدِي وَبَصَرِي , فَأَنْتَ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنْدِي بَعَثْتُكَ إِلَى خَلْقٍ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِي , بَطِرَ نِعْمَتِي وَأَمِنَ مَكْرِي وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا عَنِّي حَتَّى جَحَدَ حَقِّي وَأَنْكَرَ رُبُوبِيَّتِي وَعَبَدَ دُونِي وَزَعَمَ أَنَّهُ لا يَعْرِفُنِي , وَإِنِّي أُقْسِمُ بِعِزَّتِي لَوْلا الْعُذْرُ وَالْحُجَّةُ اللَّذَانِ وَضَعْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي لَبَطَشْتُ بِهِ بَطْشَةَ جَبَّارٍ يَغْضَبُ لِغَضَبِهِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ , فَإِنْ أَمَرْتُ السَّمَاءَ حَصَبَتْهُ وَإِنْ أَمَرْتُ الأَرْضَ ابْتَلَعَتْهُ , وَإِنْ أَمَرْتُ الْجِبَالَ دَمَّرَتْهُ وَإِنْ أَمَرْتُ الْبِحَارَ غَرَّقَتْهُ , وَلَكِنْ هَانَ عَلَيَّ وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِي وَوَسِعَهُ حِلْمِي وَاسْتَغْنَيْتُ بِمَا عِنْدِي , وَحَقٌّ لِي , أَنِّي أَنَا اللَّهُ الْغَنِيُّ لا غَنِيَّ غَيْرِي , فَبَلِّغْهُ رِسَالاتِي وَادْعُهُ إِلَى عِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي وَالإِخْلاصِ بِاسْمِي , وَذَكِّرْهُ بِأَيَّامِي وَحَذِّرْهُ نِقْمَتِي وَبَأْسِي , وَأَخْبِرْهُ أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ وَالْمَغْفِرَةُ أَسْرَعُ مِنِّي إِلَى الْغَضَبِ وَالْعُقُوبَةِ , وَلا يُرِعْكَ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>