للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: أَخَذَتْ مُعَاوِيَةُ قُرَّةٌ [أَيْ مِنَ الْبَرْدِ] فَاتَّخَذَ أَغْشِيَةً خِفَافًا فَكَانَتْ تُلْقَى عَلَيْهِ فَلا يَلْبَثُ أَنْ يُنَادِيَ: ادْفَعُوهَا. فَإِذَا أُخِذَتْ عَنْهُ سَأَلَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَكِ اللَّهُ مِنْ دَارٍ! مَكَثْتُ فِيكِ عِشْرِينَ سَنَةً أَمِيرًا وَعِشْرِينَ سَنَةً خَلِيفَةً , ثُمَّ صِرْتُ إِلَى مَا أَرَى!

وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يَقُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ: وَاللَّهِ وَدِدْتُ أَنِّي عَبْدٌ لِرَجُلٍ مِنْ تِهَامَةَ أَرْعَى غُنَيْمَاتٍ فِي جِبَالِهَا , وَلَمْ أَكُنْ أَلِي مِنْ هَذَا الأَمْرِ شَيْئًا.

(كُلُّ حَيٍّ لاقَى الْحِمَامَ فَمُودِي ... مَا لِحَيٍّ مُؤَمِّلٍ مِنْ خُلُودِ)

(لا تَهَابُ الْمَنُونُ شَيْئًا وَلا تُبْقِي عَلَى وَالِدٍ وَلا مَوْلُودِ ... )

(يَقْدَحُ الدَّهْرُ فِي شَمَارِيخِ رَضْوَى ... وَيَحُطُّ الصُّخُورَ مِنْ هَبُّودِ)

(وَلَقَدْ تَتْرُكُ الْحَوَادِثُ وَالأَيَّامُ ... وَهْيًا فِي الصَّخْرَةِ الصَّيْخُودِ)

(وَأَرَانَا كَالزَّرْعِ يَحْصِدُهُ الدَّهْرُ ... فَمِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَحَصِيدِ)

(وَكَأَنَّا لِلْمَوْتِ رَكْبٌ مَخْبُونٌ ... سِرَاعًا لِمَنْهَلٍ مَوْرُودِ)

(أَيُّهَا الْجَاهِلُ الَّذِي أَمِنَ الدَّهْرَ ... وَفِي الدَّهْرِ عَاقِرَاتُ الْخُدُودِ)

(أَيْنَ عَادٌ وَتُبَّعٌ وَأَبُو سَاسَانَ ... كِسْرَى وَأَيْنَ صَحْبُ ثَمُودَ)

(أَيْنَ رَبُّ الْحِصْنِ الْحَصِينِ بِسُورَاءَ ... بناه وشاده بالشيد)

(شد أركانه وصاغ لَهُ الْعِقْيَانَ ... بَابًا وَحَفَّهُ بِالْجُنُودِ)

(كَانَ يُجْبَى إِلَيْهِ مَا بَيْنَ صَنْعَاءٍ ... وَمِصْرَ إِلَى قُرَى بَيْرُودِ)

(وَتَرَى حَوْلَهُ زَرَافَاتِ خَيْلٍ ... حَافِلاتٍ تَعْدُو بِمِثْلِ الأُسُودِ)

(فَرَمَى شَخْصَهُ فَأَقْصَدَهُ الدَّهْرُ ... بِسَهْمٍ مِنَ الْمَنَايَا شَدِيدِ)

(ثُمَّ لَمْ يُنْجِهِ مِنَ الْمَوْتِ حِصْنٌ ... دُونَهُ خَنْدَقٌ وَبَابُ حَدِيدِ)

(وَمُلُوكٌ مِنْ قَبْلِهِ عَمَرُوا الدُّنْيَا أُعِينُوا بِالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ ... )

(بَيْنَمَا ذَاكَ مَرَّتِ الطَّيْرُ تَجْرِي ... لَهُمْ بِالنُّحُوسِ لا بِالسُّعُودِ)

(وَصُرُوفُ الأَيَّامِ أَسْهَلْنَ بِالْحِينِ ... إِلَيْهِ من المحط الكؤود)

(مَا وَقَاهُمْ مَا حَاوَلُوا لَوْعَةُ الدَّهْرِ ... وَمَا أَكَّدُوا مِنَ التَّأْكِيدِ)

(وَكَذَاكَ الْعَصْرَانِ لا يُلْبِثَانِ الْمَرْءَ ... أَنْ يَأْتِيَاهُ بِالْمَوْعُودِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>