للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِخْوَانِي: قَدْ أَعْذَرَتْ إِلَيْكُمُ الأَيَّامُ بِمَنْ سُلِبَ مِنَ الأَنَامِ , وَأَيْقَظَتِ الْخُطُوبُ

مَنْ غَفَلٍ وَنَامَ , وَمَا عَلَى الْمُنْذِرِ قَبْلَ الأَخْذِ مَلامُ , أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا غَدَّارَةٌ , أَمَا بَرْدُ لَذَّتِهَا يَنْقَلِبُ حَرَارَةً , أَمَا رِبْحُهَا عَلَى التَّحْقِيقِ خَسَارَةٌ , أَمَا يَنْقُصُ الدِّينُ كُلَّمَا ازْدَادَتْ عِمَارَةً , لا تَغُرَّنَّكُمْ فَكَمْ قَدْ غَرَّتْ سَيَّارَةً , أَمَا قَتَلَتْ أَحْبَابَهَا وَإِلَيْكَ الإِشَارَةُ , إِذَا قَالَ حَبِيبُهَا: إِنَّهَا لِي وَمَعِي. قَتَلَتْهُ وَقَالَتْ اسْمَعِي يَا جَارَةُ , بَيْنَا نُورُهَا قَدْ لاحَ وَسَنَحَ وَمُحِبُّهَا فِي بَحْرِهَا قَدْ سَبَحَ , يَسْعَى فِي جَمْعِهَا عَلَى أَقْدَامِ الْمَرَحِ , كُلَّمَا جَاءَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَتَحَ , وَكُلَّمَا عَانَى أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا صَلَحَ , وَكُلَّمَا لاحَتْ لَهُ رِيَاضُ غِيَاضِهَا مَرَحَ , فَبَيْنَا هُوَ فِي لَذَّاتِهِ يُدِيرُ الْقَدَحَ , قَدَحَ زِنَادُ الْغَمِّ فِي حِرَاقِ الْفَرَحِ , فَمَنْ يَسْتَدْرِكُ مَا فَاتَ وَمَنْ يُدَاوِي مَا جَرَحَ , مَا نَفَعَهُ أَنْ نَزَحَ الْجَفْنُ دَمَعْهُ إِذَا نَزَحَ.

لَوْ رَأَيْتَهُ وَقْتَ التَّلَفِ شَاخِصًا , وَفِي سَكَرَاتِ الأَسَفِ غَائِصًا , وَقَدْ عَادَ ظِلُّ الأَمَلِ قَالِصًا , وَلَوْنُ السُّرُورِ حَائِلا نَاقِصًا , وَلاحَ صَائِدُ الْمَنُونِ لِطَرِيدَتِهِ قَانِصًا , يَتَمَنَّى وَقَدْ فَاتَ الْوَقْتُ , وَيَنْظُرُ إِلَى نَفْسِهِ بِعَيْنِ الْمَقْتِ , وَيَصِيحُ إِلَى نَصِيحِهِ: قَدْ صَدَقْتَ , أمَّل فَخَانَهُ الأَمَلُ , وَنَدِمَ عَلَى الزاد لما رحل , فلو حمل جبلا مَا حَمَلَ.

(تَمَنَّتْ أَحَالِيبَ الرِّعَاءِ وَخَيْمَةً ... بِنَجْدٍ فَلَمْ يُقْدَرْ لَهَا مَا تَمَنَّتْ)

(إِذَا ذَكَرَتْ نَجْدًا وَطِيبَ تُرَابِهِ ... وَبَرْدَ حَصَاهُ آخِرَ اللَّيْلِ حَنَّتْ)

رُبَّ يَوْمٍ مَعْدُودٍ لَيْسَ فِي الْعَدَدِ , رَحَلَ الإِخْوَانُ وَمَرُّوا عَلَى جَدَدٍ , هَذِهِ دِيَارُهُمْ سلوها ما بقي أحد , مضت والله الخيل بِفُرْسَانِهَا , وَتَهَدَّمَتِ الْحُصُونُ عَلَى سُكَّانِهَا , وَخَلَتْ دِيَارُ الْقَوْمِ مِنْ قُطَّانِهَا فَجُزْ عَلَيْهَا وَاعْتَبِرْ بِشَانِهَا.

(يَا خَلِيلَيَّ أَسْعِدَانِي عَلَى الْوَجْدِ ... فَقَدْ يُسْعِدُ الْحَمِيمَ الْحَمِيمُ)

(وَقِفَا بِي عَلَى الدِّيَارِ فَعِنْدِي ... مَقْعَدٌ مِنْ سُؤَالِهَا وَمُقِيمُ)

تَنَبَّهْ لِنَفْسِكَ أَيُّهَا الْمَظْلُومُ , تَيَقَّظْ مِنْ رَقَدَاتِكَ فَإِلَى كَمْ نَوْمٌ , حَصِّلْ شَيْئًا تُرْضِي بِهِ الْخُصُومَ , قَتَلَكَ هَمُّ الدُّنْيَا فَبِئْسَ الْهُمُومُ , أَتَلْعَبُ بِالأَبْتَرِ وَلَمْ تَشْرَبْ

<<  <  ج: ص:  >  >>