للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرَّابِعُ: الْمَخْرَجُ مِنَ الضَّلالِ وَالشُّبْهَةِ. قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} أَحْسَنُوا: عَمِلُوا بِمَا أُمِرُوا بِهِ.

يَا مَنْ لا يُحْسِنُ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَعْ صِفَةَ الْمُحْسِنِ:

أَقْلَقَهُمُ الْخَوْفُ وَالْفَرَقُ , أَحْرَقَهُمْ لِذِكْرِ الْمَوْتِ الأَرَقُ , طَعَامُهُمْ مَا حَضَرَ مِنْ حَلالٍ وَاتَّفَقَ , يَا نُورَهُمْ فِي الدُّجَى إِذَا دَجَى الْغَسَقُ , يَا حُسْنَهُمْ وَجُنْدُ الدَّمْعِ مُحَدِّقٌ بِسُورِ الْحِدَقِ , انْقَطَعَ سِلْكُ الْمَدَامِعِ فَسَالَتْ عَلَى نَسَقٍ , وَكَتَبَتْ عَلَى صحائف الخلود الْعُذْرَ لا فِي وَرَقٍ , فَإِنْ كَانَ الْمِدَادُ سَوَادًا فَذَا الْمِدَادُ يَقَقٌ , يَا لَذَّةَ تَضَرُّعِهِمْ وَيَا طِيبَ الْمَلَقِ , أَذَابَ الْخَوْفُ أَجْسَامَهُمْ فَمَا أَبْقَى إِلا الرَّمَقَ , رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَتَاعُ الْغَافِلِ مَا نَفَقَ.

(وَمَا كُلُّ مَنْ أَوْمَى إِلَى الْعِزِّ نَالَهُ ... وَدُونَ الْعُلَى ضَرْبٌ يُدْمِي النَّوَاصِيَا)

جَرَتْ دُمُوعُ حُزْنِهِمْ فِي سَوَاقِي أَسَفِهِمْ , إِلَى رِيَاضِ صَفَائِهِمْ فَأَوْرَقَتْ أَشْجَارُ

وِصَالِهِمْ , وَدُمُوعُهُمْ تَجْرِي كَالدِّيمِ كُلَّمَا ذَكَرُوا زَلَّةَ قِدَمٍ , يَرْعَوْنَ الْعَهْدَ وَالذِّمَمَ , يَحْذَرُونَ نَارًا تُعِيدُ الْجِسْمَ كَالْحُمَمِ , يَخَافُونَ حَرَّهَا وَمَنْ لَهُ بِتَحِلَّةِ الْقَسَمِ , اللَّيْلُ قَدْ سَجَى وَالدَّمْعُ قَدْ سَجَمَ , يُرَاوِحُونَ بَيْنَ الْجَبْهَةِ وَالْقَدَمِ , كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ عِنْدَ النَّقْدِ تَبِينُ الْقِيَمُ , تَاللَّهِ مَا جُعِلَ مَنْ نَامَ مِثْلَ مَنْ لَمْ يَنَمْ , جَاعُوا مِنْ طَعَامِ الْهَوَى وآذاك التخم , يا قبيح العزائم يا سيىء الْهِمَمِ , يَا مَرْذُولَ الصِّفَاتِ يَا رَدِيءَ الشِّيَمِ , كَأَنَّكَ بِكَ تَتَمَنَّى إِذَا حُشِرْتَ الْعَدَمَ , نُثِرَتْ عَطَايَا الأَسْحَارِ فَبَسَطَ الْقَوْمُ حُجُورَ الآمَالِ كَاتَبُوا بِالدُّمُوعِ فَجَاءَهُمْ أَلْطَفُ جَوَابٍ , اجْتَمَعَتْ أَحْزَانُ السِّرِّ عَلَى الْقَلْبِ فَأُوقِدَ حَوْلَهُ الأَسَفُ , وَكَانَ الدَّمْعُ صَاحِبَ الْخَبَرِ فَنَمَّ.

كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَثِيرَ الْبُكَاءِ , فَمَا زَالَ يَبْكِي حَتَّى بَكَى الدَّمَ. تَغْرِيبُ لَوْنِ المداد يعجب القارىء!

(هذا كتابي إليكم فيه معذرتي ... ينيبكم الْيَوْمَ عَنْ سُقْمِي وَعَنْ أَلَمِي)

<<  <  ج: ص:  >  >>