للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فاستوى وهو بالأفق الأعلى} فِيهِ قَوْلانِ: أَحَدُهُمَا فَاسْتَوَى جِبْرِيلُ، وَهُو يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا اسْتَوَيَا بِالأُفُقِ الأَعْلَى لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَالثَّانِي: فَاسْتَوَى جِبْرِيلُ وَهُوَ، يَعْنِي جِبْرِيلَ، بِالأُفُقِ الأَعْلَى عَلَى صُورَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، لأَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا هَبَطَ عليه بالوحي فِي صُورَةِ رَجُلٍ، وَأَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَاسْتَوَى فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ فَمَلأَ الأُفُقَ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: فَاسْتَوَى جِبْرِيلُ بِالأُفُقِ الأَعْلَى فِي صُورَتِهِ قاله الزجاج. والأفق الأعلى: مَطْلَعِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الأَعْلَى لأَنَّهُ فَوْقَ جَانِبِ الْمَغْرِبِ فِي صَعِيدِ الأَرْضِ لا فِي الْهَوَاءِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} قال الزجاج دنا: بعنى قرب. وتدلى: زاد فِي الْقُرْبِ وَمَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ.

وَفِي الْمُشَارِ إليه بقوله: {ثم دنا} ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ اللَّهُ. رَوَى الْبُخَارِيُّ ومسلم في الصحيحين من حديث شريك ابن أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: {ثُمَّ دَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ} وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا مِنْ غَلَطِ شَرِيكٍ رَاوِي أَنَسٍ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: قُلْتُ: وَإِذَا كَانَ الدُّنُوُّ لا عَلَى ما يَعْقِلُ فِي الأَجْسَامِ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْقُرْبَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا} فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا وَقَدْ حُصِرَ قَدْرُ الْمَسَافَةِ؟ قُلْنَا: إِنَّهُ مُثِّلَ بِأَقْرَبِ الأَشْيَاءِ كَمَا قَالَ: {وَنَحْنُ أقرب إليه من حبل الوريد} .

وَالثَّانِي: ثُمَّ دَنَا مُحَمَّدٌ مِنْ رَبِّهِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ جِبْرِيلَ دَنَا مِنْ مُحَمَّدٍ. قَالَهُ الْحَسَنُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>