معرضاً، فَاحْذَرُوا أَنْ يَفُوتَكُمُ الْغُفْرَانُ مَعَ الرِّضَا. أَيْنَ مَنِ اسْتَدْرَكَ بَاقِيَ سَاعَاتِهِ وَقَضَى، وَطَالَبَ نَفْسَهُ بِالإِنَابَةِ وَاقْتَضَى، أَيْنَ مَنْ خَافَ لَهَبَ السَّعِيرِ وَحَرَّ لَظَى، فَبَادَرَ إِلَى مَا يُؤْثَرُ مِنَ الْخَيْرِ وَيُرْتَضَى، أَيْنَ مَنْ جَرَّدَ سَيْفَ التَّوْبَةِ عَلَى الْخَطَايَا وَانْتَضَى، قَبْلَ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ التَّحْرِيضَ حَرَضًا.
آهٍ لأَوْقَاتٍ مَضَتْ مِنْ رَجَبٍ لا سَبِيلَ إِلَى رُجُوعِهَا، وَأَهْلا بِنُفُوسٍ صَبَرَتْ فِيهِ عَلَى عَطَشِهَا وَجُوعِهَا، وَيَا أَسَفَا لأَعْمَالٍ مَا يُقْبَلُ شَيْءٌ مِنْ مَرْفُوعِهَا، وَلأَصْوَاتٍ رُدَّتْ لِعَدَمِ صِدْقِ مَسْمُوعِهَا.
إِخْوَانِي: فَارِقُوا خَطَايَاكُمْ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، وَسَابِقُوا بِالتَّوْبَةِ رَحِيلَهُ قَبْلَ مُسَابَقَتِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَوْقَاتَ عَلَيْكُمْ شَاهِدَةٌ بِمَا هِيَ مِنْكُمْ مُشَاهِدَةٌ. فَالْحِذَارَ الْحِذَارَ أَنْ يَفُوتَ وَقْتُ الاقْتِدَارِ، فَمَا زَالَتِ الدُّنْيَا تَخْدَعُ وَتَغُرُّ ثُمَّ تَرْحَلُ وَتَمُرُّ.
(غَنَّتْكَ دُنْيَاكَ الْخَلُوبُ ... وَحُبُّهَا فِي الْكَفِّ عود)
(أما إساءتها فقد ... كانت وحسناها وعود)
لِغِرْبَانِ الْمَوْتِ عَلَى دِيَارِنَا نَعيِبٌ، وَنَحْنُ نَحْرِصُ عَلَى مَا لِطَالِبِهِ نَعِيبُ، الْخَلْقُ بِأَسْرِهِمْ فِي قَبْضَةِ التَّلَفِ أَسْرَى، وَمَا يَعُدُّونَهُ أَرْبَاحًا يَعُودُ غَدًا خُسْرًا، سَيْفُ الْمَنُونِ مَا يَنْبُو وَلا يَقْنَعُ، وَبَطْنُ الأَرْضِ يَأْكُلُ الْخَلائِقَ وَمَا يَشْبَعُ.
إِخْوَانِي: لا لِلْمَوْتِ بِالاسْتِعْدَادِ تَنْتَظِرُونَ، وَلا بِالْقُلُوبِ فِي الذِّكْرِ تَحْضُرُونَ، وَكَأَنَّكُمْ لِلتَّلَفِ تَأْمَنُونَ أَوْ بالوعيد ما تؤمنون، أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّكُمْ تَرْحَلُونَ، أَمَا تَرَوْنَ الأَقْرَانَ أَيْنَ يَنْقَلِبُونَ، كَأَنَّنَا وَاللَّهِ بِنَا إِذْ قَدِمْنَا وَقَدْ نَدِمْنَا، وَوُضِعَ الْحِسَابُ وَقُدِّمْنَا، وَطَلَبْنَا مَا يُرْضِي مِنَ الْعَمَلِ فَعَدِمْنَا، وَرَبِحَ الْمُتَّقُونَ بِالتُّقَى وَحُرِمْنَا، وَأَقَمْنَا لِقِرَاءَةِ الصُّحُفِ فَلَمَّا فَهِمْنَا هِمْنَا، فَرَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا اسْتَدْرَكَ بَقِيَّةَ هَذَا الشَّهْرِ فَرُبَّمَا لا يَرَى مِثْلَهُ فِي الدَّهْرِ، قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ بِشِدَّةِ الْقَهْرِ وَيُحَاسَبَ عَلَى فِعْلِ السِّرِّ وَالْجَهْرِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْيَوْمَ السَّابِعَ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ يَوْمٌ مُعَظَّمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute