الرَّابِضَ الْمُسْتَاسِدَ، لَقَدْ أَشْمَتُّمْ بِكُمْ كُلَّ حَاسِدٍ، يَا مُظْهِرُونَ ضِدَّ مَا بِهِ الْكِتَابُ وَارِدٌ، إِلَى مَتَى تُبَهْرِجُونَ وَالْبَصِيرُ نَاقِدٌ، كَيْفَ يَكُونُ حَالُكُمْ وَهُوَ عَلَيْكُمْ شَاهِدٌ:
(عَجِبْتُ مِنْ مُسْتَيْقِظٍ ... وَالْقَلْبُ مِنْهُ رَاقِدُ)
(مُضَيِّعٌ لِدِينِهِ ... وَلِلذُّنُوبِ زَائِدُ)
(كَأَنَّهُ عَلَى مَدَاهُ ... مُهْمَلٌ وَخَالِدُ)
(فَأَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمْ ... فَهْيَ لَكُمْ قَلائِدُ)
(وَلا تُضَيِّعُوا وَاجِبًا ... وَاجْتَهِدُوا وَجَاهِدُوا)
للَّهِ دَرُّ أَقْوَامٍ تَلَمَّحُوا الْعَوَاقِبَ فَعَمِلُوا عَمَلَ مُرَاقِبٍ، وَجَاوَزُوا الْفَرَائِضَ إِلَى طَلَبِ الْمَنَاقِبِ، عَلَتْ هِمَمُهُمْ عَنِ الدَّنَايَا وَارْتَفَعَتْ، وَكَفَّتِ الأَكُفَّ عن الأذايا وامتنعت، ووسعت خطاها إِلَى الْفَضَائِلِ وَسَعَتْ، مَنْ يُحِبُّ الْعِزَّ يَدْأَبُ إِلَيْهِ، وَكَذَا مَنْ طَلَبَ الدُّرَّ غَاصَ عَلَيْهِ، كَانُوا إِذَا ابْتَلاهُمْ مَوْلاهُمْ يَصْبِرُونَ، وَإِذَا أَعْطَاهُمْ مُنَاهُمْ يَشْكُرُونَ، وَإِذَا اسْتَرَاحَ الْبَطَّالُونَ يَدْأَبُونَ، فَلَوْ رَأَيْتَهُمْ يَوْمَ يَقُولُ {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ توعدون} {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} .
زَالَ الْخَوْفُ عَنْهُمْ وَانْدَفَعَ، فَأَفَادَهُمْ حُزْنُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَنَفَعَ، وَتَمَّ السُّرُورُ لَهُمْ وَاجْتَمَعَ، وَزَالَ الْحِجَابُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَارْتَفَعَ، فَهُمْ إِلَى وَجْهِ الكريم ينظرون {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} .
قوله تعالى: {الذين آمنوا وكانوا يتقون} .
قَطَعُوا بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَاجْتَمَعُوا عَلَى طَاعَتِهِ، وَامْتَنَعُوا مِنْ مخالفته وارتبضوا فِي رِيَاضِ مَعْرِفَتِهِ، وَاضْطَبَعُوا بِأَرْدِيَةِ خِدْمَتِهِ، وَاطَّلَعُوا بِالْعُلُومِ عَلَى هَيْبَتِهِ، فَيَا بُشْرَاهُمْ يَوْمَ يَحْضُرُونَ {الذين آمنوا وكانوا يتقون} .
امْتَثَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مَوْلاهُمْ، وَاجْتَنَبُوا مَا عَنْهُ نَهَاهُمْ، فَإِذَا أَخْرَجَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute